الذكر الحكيم

ما واجبنا تجاه القرآن في رمضان؟

محمد الخولي

إنّ أعظم الواجبات التي تجب علينا تجاه القرآن، هي أن نشعر بمنَّة الله -عزّ وجل- التي امتنّ بها علينا بإنزال القرآن، ونُعيد النظر في علاقتنا مع كتاب الله، وذلك من خلال عدة محاور:

1- أن يَشغل المسلمُ نفسَه بالقرآن، وأن يملأ وقته به:

وذلك بالإقبال على القرآن، قراءةً وتعلُّمًا، فهو خير ما تُعْمَرُ به الأوقات وأعظم ما تنال به الأجور، وتُرفع به الدرجات؛ فعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله ﷺ فقال: أيّكم يُحِبّ أن يغدوَ كلّ يوم إلى بُطْحانَ أو إلى العَقِيق، فيأتيَ منه بناقتين كوْمَاوَيْن في غير إثم ولا قطْعِ رَحِم؟ فقلنا: يا رسول الله، نحِبّ ذلك، قال: أفلا يَغدُو أحدكم إلى المسجد فيَعْلَم أو يَقرأ آيتين من كتاب الله -عز وجل- خيرٌ له من ناقتين، وثلاثٌ خير له من ثلاث، وأربعٌ خير له من أربع، ومِن أعدادهن من الإبل[1].

وورد في فضل الاجتماع على القرآن، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: … وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلَتْ عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكَرَهم الله فيمَنْ عِنده[2].

2- الصبر على مشقَّة القراءة -إن وُجِدت-:

فالمسلم مطالب بمجاهدة نفسه وحملها على الصبر على تلاوة القرآن إن وَجد شيئًا من المشقة أو العناء؛ لأن النبي ﷺ أخبرنا أنه على قدر المشقة يكون الأجر عند الله -عزّ وجل- فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: الماهرُ بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البَرَرَة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران[3].

وإن كان الإنسان أُمّيًّا لا يُحسن أن يقرأ فينبغي أن لا يَحْرِم نفسَه من أجر الإنصات والاستماع، فقد قال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204].

3- الاهتمام بتدبّر القرآن وتفهُّمه:

فلن يتجلّى أثر القرآن على النفس إلَّا بتدبر آياته، ومعرفة المقاصد والمعاني، وهذا أعظم ما ينبغي أن يراعيه المسلم عند التعامل مع القرآن، فمع عظيم أجر قراءة القرآن، كما أخبر النبي ﷺ: من قرأ حرفًا من كتاب الله؛ فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف[4]، إلَّا أنّ تدبّر القرآن وفَهْم معانيه أعظم أجرًا وفضلًا؛ لأنه المقصد الأول الذي من أجله أُنْزِل القرآن، فقد قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29].

يقول الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: “إنَّ مَنْ كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار”[5].

ومما يُعِين على ذلك أن يستحضر المسلم عند التلاوة أو الاستماع أنه هو المخاطَب بهذا القرآن، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: “إذا سمعتَ اللهَ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأصغ لها سَمْعَك؛ فإنه خيرٌ تُؤمَر به، أو شرٌّ تُصْرَف عنه”[6].

4- التفاعل مع آيات القرآن:

ولقد علَّمَنا النبيُّ ﷺ كيف يكون التفاعل مع القرآن؛ فقد كان ﷺ إذا مرَّ بآية من آيات العذاب؛ تعوَّذَ بالله، وإذا مرَّ بآية رحمة؛ سأل اللهَ من رحمته، وإذا مرَّ بذِكر الجنة؛ سأل اللهَ الجنة، وإذا مرَّ بآية ثناء على الله أثنى عليه، فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: “صلَّيتُ مع النبي ﷺ ذات ليلة، فافتتح البَقَرَة… إِذَا مَرَّ بِآية فيها تسبيح؛ سَبَّح، وإِذا مرَّ بسؤال؛ سأل، وإِذا مرَّ بتعوُّذ؛ تعوَّذ” [7] وزاد النسائي بلفظ: “إذا مرّ بآية عذاب وقف وتعوَّذ”[8].

وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: “قمتُ مع رسول اللَّه ﷺ ليلةً، فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمرُّ بآية رحمة إلَّا وقف فسأل، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف فتعوَّذ…”[9].

5- التخلُّق بأخلاق القرآن والتأدُّب بآدابه:

وأن يتأسَّى في ذلك بالنبي ﷺ الذي كان خُلُقه القرآن، فعن سعد بن هشام بن عامر أنه قال لعائشة -رضي الله عنها-: “أخبريني عن خُلق رسول الله ﷺ، فقالَتْ: ألسْتَ تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: خُلُق نبيّ الله ﷺ كان القرآن”[10].

ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: “واللهِ ما تدبُّره بحفظِ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إنّ أحدهم ليقول: قرأتُ القرآن كلَّه، ما يُرى له القرآنُ في خُلق ولا عمل”[11].

لذلك ينبغي على المسلم أن يحرص على إقامة حدوده، كما يحرص على إقامة حروفه، ولا يكون كالذين يقيمون حروفه ويضيعون حدوده.

المصدر: مركز تفسير للدراسات القرآنية.

  1. رواه مسلم (803).
  2. رواه مسلم (2699).
  3. رواه مسلم (798).
  4. رواه الترمذي في سننه (2910)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2137).
  5. التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي (ص: 54).
  6. زاد المعاد، لابن القيم (1/ 329).
  7. رواه مسلم (772).
  8. رواه النسائي في سننه (1008)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي (3/ 152).
  9. رواه أحمد في مسنده (23980)، وقال محققه: إسناده قوي.
  10. رواه مسلم (746).
  11. تفسير ابن كثير (7/ 64).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى