هيا بنـا نؤمن ساعة

تقلب القلب وتطهيره

إن الإيمان بالله -جلّ وعلا- والتوكل عليه، واليقين به، كل ذلك يولِّد في القلب قوة وبصيرة وعقلًا يزن بها الأمور، ويحقق بها الهدى ليعيش آمنًا من شرور الغي وطرق الردى. لكن سنة الله اقتضت أن يظل المؤمن في تنازع، ومكابدة؛ ليظل قلبه ثابتًا على الإيمان والتقوى، لكن المؤمن مهما كانت قوة إيمانه؛ فلابد له من غفوة وضعف، فإنما سمي القلب لشدة تقلبه، وعدم ثبته على حاله، كما قال الشاعر:

وما سمي الإنسان إلا لأنسهولا القلب إلا أنه يتقلب[1].

وأحسن منه ما رُوي في الحديث: إنما سمي القلب من تقلّبه، إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة، تعلّقت في أصل شجرة، يقلّبها الريح ظهرًا لبطن[2].

وهذا التقليب الذي هو أخص صفات القلب، هو منشأ كون الإنسان موصوفًا بالظلم والغدر والخطأ؛ فإنه متقلب في أحواله، متغير في صفاته، تغلبه الشهوة، كما تلتبس عليه الأمور بالشبهة، ويطغى عليه النسيان كما يتمادى به الهوى والطغيان، وتغره المتاع، كما تقهره الطباع، فهو لسبب أو لآخر متقلب في طبعه.

تطهير القلوب بالتوبة

وهذا التقلب في الإنسان، ما خلقه الله -جل وعلا- إلا ليبتليه بخطئه كما يبتليه بصوابه، قال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم[3].

وليطلعه على رحمته إذا هو تبصَّر بذنبه، وعاد إلى الله تائبًا طائعًا، ومن هنا أخي لابد أن تعلم أنك في كل وقت وحين في حاجة إلى تجديد التوبة والإكثار من الاستغفار؛ فإنهما يطهران القلب من شوائب المعاصي وآثارها وسوادها، ولهذا أوصى الله -جل وعلا- عباده المؤمنين بالتوبة، وجعلها أساس فلاحهم فقال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31].

وفي الحديث قال رسول الله ﷺ: تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها؛ نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربدًّا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه[4].

رأيت الذنوب تميت القلوبوقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوبوخير لنفسك عصيانها[5].

أخي الكريم: فإذا علمت أن الذنوب تمرض القلوب، وتطمس بصيرتها، وتعطل عقلها، فاحرص على تطهير قلبك من أمراض المعاصي باجتنابها، وملازمة التوبة والاستغفار لإبطال مضراتها، فإن قوة قلبك وسلامته مرهونة بصفائه ونقائه، وإنما ينقى قلبك بثلاثة أشياء:

  • الأول: بالتوبة إلى الله، والاستغفار من الذنب.
  • الثاني: بالإكثار من الحسنات، فإنهن يذهبن السيئات، كما قال -تعالى-: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود: 114].
  • الثالث: الحرص على أسباب المغفرة، كالصلاة، والنوافل، والوضوء، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والعمرة والحج، ونحو ذلك من موجبات المغفرة المبسوطة في كتب الفضائل والسلوك.

فقد أوصى رسول الله ﷺ معاذًا فقال له: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن[6].

المصدر: دار ابن خزيمة.

  1. أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: 66).
  2. رواه أحمد في مسنده (19661)، وقال محققه: إسناده ضعيف.
  3. رواه مسلم (2749).
  4. رواه مسلم (144).
  5. الآداب الشرعية والمنح المرعية، لابن مفلح (1/ 144).
  6. رواه أحمد في مسنده (21354)، وقال محققه: حسن لغيره.

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى