هيا بنـا نؤمن ساعة

وتوبوا إلى الله

عبدالملك القاسم

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن من أعظم نعم الله -عز وجل- أن فتح باب التوبة، وجعله فجرًا تبدأ معه رحلة العودة بقلوب منكسرة، ودموع منسكبة، وجباه خاضعة.

يقول الله -جل وعلا-: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49] ويقول الله -عز وجل-: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] ويقول تعالى حاثًا على التوبة والرجوع والأوبة: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

وصح عنه كما روى ذلك الإمام مسلم أنه قال: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها[1].

وهذا نبي الرحمة، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله، وأستغفره في كل يوم مائة مرة»[2].

وانظر وتأمل أخي الكريم في فضل الله -عز وجل- على التائب العائد، فقد قال رسول الله: التائب من الذنب كمن لا ذنب له[3].

أخي المسلم: لا يأخذك الهوى وملهيات النفس، فإن الرسول يقول: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى[4].

وهذا الحديث بشارة لجميع المسلمين بالجنة، إلا صنفًا منهم لا يريدون دخولها، لا زهدًا فيها، ولكن جهلًا بالطريق الموصلة اليها، وتراخيًا وتكاسلًا عن دخولها، وتفضيلًا لهذه المتع الدنيوية الزائلة على تلك النعم الخالدة في الجنة.

فجد في التوبة، وسارع إليها، فليس للعبد مستراح إلا تحت شجرة طوبى، ولا للمحب قرار إلا يوم المزيد، فسارع إلى التوبة، وهب من الغفلة، واعلم أن خير أيامك يوم العودة إلى الله -عز وجل- فاصدق في ذلك السير، وليهنئك حديث رسول الله: لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح[5].

أخي المسلم: قال يحيى بن معاذ -رضي الله عنه-: “من أعظم الاغترار عندي: التمادي في الذنوب، مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله تعالى بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله -عز وجل- مع الإفراط، ومن أحب الجنة انقطع عن الشهوات، ومن خاف النار انصرف عن السيئات”[6].

وقال الحسن البصري: “إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي، وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل”[7].

المصدر: دار القاسم.

  1. رواه مسلم (2759).
  2. رواه أحمد في مسنده (18293)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1452).
  3. رواه ابن ماجه في سننه (4250)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3008).
  4. رواه البخاري (7280).
  5. رواه مسلم (2747).
  6. الزهر الفائح في ذكر من تنزه عن الذنوب والقبائح، للجزري (ص: 101).
  7. الجواب الكافي، لابن القيم (ص: 28).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى