الذكر الحكيم

أصناف الناس في التعامل مع القرآن

محمد الخولي

الناس في تعاملهم مع القرآن أصناف وأنواع: فمنهم مَن يهتم بكثرة التلاوة، ومنهم مَن يهتم بإقامة الحروف وضبط المخارج، ومنهم مَن كلُّ همِّه تجميل صوته، والتغني به، ولكن ربما نسي أكثر هؤلاء أهمّ شيء، وأعظم شيء، ألا وهو تدبر القرآن والتفاعل مع آياته، فربما يمرّ القارئ على الآية تِلو الآية، بل يختم القرآن الختمة تِلو الختمة، ثم نجده يشتكي من قسوة قلبه وعدم شعوره بحلاوة القرآن على الرغم من مداومة القراءة، والسر في ذلك أنه كان يقرأ بقلبٍ ساهٍ غافلٍ.

فأكثر الناس استمتاعًا بالقرآن مَنْ علم أن هذا القرآن ليس مجرد حروفٍ تتحرك بها الألسنة، بل إن روح القرآن هي المعاني، وأنه لا ينبغي للمسلم أن ينشغل بضبط الحروف والمباني وينسى التدبر والتفكّر في المعاني.

فالقرآن ليس مجرد نصّ جامد أنزله الله -عزّ وجلّ- للقراءة والحفظ فحسب، بل القرآن روح للأرواح، ونور للقلوب، وحياة للأبدان؛ فقد قال -تعالى-: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزخرف:52].

وهذا القرآن لو أُنْزِل على الجبال لخشعت وتحطّمت من خشية الله -عزّ وجلّ- فقد قال -سبحانه-: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21].

ولن يتجلّى أثر القرآن على النفس إلَّا بتدبر آياته ومعرفة المقاصد والمعاني، وهذا أعظم ما ينبغي أن يراعيه المسلم عند التعامل مع القرآن، فمع عظيم أجر قراءة القرآن، كما أخبر النبي ﷺ : من قرأ حرفًا من كتاب الله؛ فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف[1]، إلَّا أن تدبّر القرآن والتفاعل مع معانيه أعظم أجرًا وفضلًا؛ لأنه المقصد والمطلب الأول الذي من أجله أُنْزِل القرآن، فقد قال -تعالى-: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وقال -تعالى-: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء:82] وقال -تعالى-: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

وقد ذمَّ النبي ﷺ من يقرؤون القرآن لمجرد القراءة ولا يتفاعلون معه، فقال عن هؤلاء: سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ[2].

المصدر: مركز تفسير للدراسات القرآنية.

  1. رواه الترمذي في سننه (2910)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2137).
  2. رواه مسلم (1067).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى