الذكر الحكيم

انهزَموا حينما أعرضوا عن القرآن

المؤمنون يُؤمنون بما أنزله اللهُ -عز وجل- على نبيه -صلى الله عليه وسلم-، والكافرون كفروا بالكتابِ، وما أُنزل على الرسل -عليهم السلام-.
واللهُ تعالى أَرسلَ رسولَهُ إلى الناسِ كافَّةً؛ لِيُبَلِّغَهم القرآنَ الذي أَنزلَهُ اللهُ إليهم.
فالإيمانُ بكلامِ اللهِ داخلٌ في الإيمانِ بِرُسِلِ اللهِ إلى عباده، والكفرُ بكلامِ اللهِ كُفرٌ بالرّسُلِ جميعاً.
فَأَصلُ الإيمانِ الإيمانُ بما أَنزلَ اللهُ، قال تعالى: اَلمَ ۝ ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2].
وقال سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ [البقرة:4].
فالقرآنُ الكريمُ للمؤمنين، يَسيرونَ في هُداه، ويَتَّبعون تعاليمَهُ، ومَا جاء بِهِ، ويَجْتَنِبون ما نهى عنه، وحَذّرَ منه، وفي ذلك رَشادُهم، ورِفعةُ شأنِهِم، ورُقِيُّهم في الدنيا والآخرة.
والقُرآنُ الكريمُ سببُ وحدةِ المسلمين، واجتماعِ كلمتِهم، مهما تباينتْ لُغاتُهم، وأَلسنتُهم، وألوانُهم، وبلدانُهم.
فالقرآنُ وَحَّدَهُم بعد تَفَرُّقٍ، وَجَعَلَهم أُمَّةً قويةً بعد ضَعْفٍ، فأصبحت الأُمَمُ والدُّولُ تَهَابهم، وتَحْسِبُ لهم الحسابَ، فسادوا العالمَ بالعدلِ والرَّحمةِ والمساواة.
ولكنَّهم حينما أَعرضوا عن القُرآن، وجَعَلُوه وراءَهم ظِهرِيّاً، واتَّبعوا الأهواءَ والأحزابَ المقيتةَ، والأفكارَ الهدَّامةَ، والهوى والشهواتِ، تكالبت عليهم الأممُ مِن كُلّ حَدَبٍ وصوب، تنهش لحومَهم، وتفرّقُهم، فحاقَ بهم من البلاءِ والشَّقاءِ والذُّل والشّتات ما الله به عليم.
اسمع معي إلى ما قاله قرّة الأعين -ﷺ-: يوشِكُ الأُمم أن تَداعَى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعَتِها فقال قائل: ومِنْ قِلَّة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غُثَاءٌ كغُثاءِ السَّيْل، ولَيَنْزَعَنَّ الله منن صدورِ عَدُوِّكُمُ المهابةَ منكم، ولَيَقْذِفَنَّ اللهُ في قُلوبِكُمُ الوَهْنَ فقال قائل: يا رسولَ الله، وما الوَهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا، وكراهيةُ الموتِ [أبو داود (4297) وصححه الألباني في صحيح الجامع (8183)].
وكلّ ذلكم مصداق لقوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ۝ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ۝ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى [طه:124- 127].
لو تأمَّلَ المسلمُ هذه الآياتِ لخَشَعَ لله، ولاهتَزَّ قلبُه، وارتعدت فرائصُه، خوفاً من الله، ولأَقبَلَ على القرآنِ الكريمِ بكُليَتِهِ، يَقرؤه بِلِسَانِهِ، ويتفكره بعقله، ويفهمه بقلبه، ويتبصر آياته، ومعانيها، ويعمل بمقتضاها، ويترسم هداها، ولكن أين الذين يقرؤون ويفهمون ويخشعون ويطبّقون؟!
لقد أسرَفَ الناسُ في حبِّ المالِ والشَّهوات، اقرأ معي واعتبر -أيُّها المؤمنُ- قولَه تعالى: وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127].
نسألُ اللهَ أنْ يَشْرَحَ صدورَنا لحُبّ القرآنِ وتلاوَتِه وتطبِيقِهِ؛ لنفوزَ في الدارين، إنَّه نِعم المولى، ونِعْمَ النَّصير.

الناشر: الدكتور: محمود فجال

المصدر: موقع رمضانيات

مواد ذات صلة

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى