الذكر الحكيم

وصايا وتوجيهات تتعلق بشهر رمضان

الحمد لله رب العالمين، وأُصلى وأسلم على خير البرية أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:

فهذه جملة وصايا نافعة متنوعة، عسى الله أن ينفع بها وتكون وأمثالها زادًا لنا إلى الإنابة والرجوع إلى الله ، ففي ذلك الفلاح والفوز الكبير:

الوصية الأولى: إن شهر رمضان المبارك له خصوصيةٌ في المغفرة، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، رواه البخاري.

فكيف إذا انضم إلى هذا المكفرات الأخرى كقيام رمضان، وقيام ليلة القدر، فإن المغفرة تكون متتابعة عليك، بل كيف إذا انضم إلى هذا التوبة والرجوع إلى الله تعالى، فإن الصحيفة ستكون بيضاء نقيَّة بإذن الله تبارك وتعالى، فاحرِص على جمعها في هذا الشهر المبارك يا رعاك الله!

الوصية الثانية: إن هذه المكفرات للذنوب قد تكون على الصغائر كما يقوله بعضهم، ولكن اجعل لك شيئًا يُحرق الكبائر ويُزيلها ويمحو أثرَها، وذلك يكون بالتوبة من تلك الكبائر؛ فشهر رمضان فرصة عظيمة للتنقية من الذنوب والسيئات كبيرها وصغيرها، وكم هي نعمة كبرى؛ حيث فتح الله تعالى لعباده باب التوبة، فيغفر لهم بتوبتهم فاسعَ إلى التوفيق باستثمار ذلك المجال.

الوصية الثالثة: إن كثرة الاستغفار هو سياج لهذه التوبة بأن تكون نصوحًا وصادقة ولا يتخللها الشقوق؛ فإن الاستغفار المتتابع بعدها هو من المحافظة عليها.

الوصية الرابعة: إن الأسباب في شهر رمضان مهيأةٌ للتوبة والرجوع؛ وذلك لأن الشياطين مُصفدةٌ والأعمال الصالحة قائمة، والجو الإيماني كبير، فإن هذه وأمثالها فُرُص عظيمة إلى أن يحاول المسلم أن يتصفح أعماله وأقواله وسلوكه، فيأخذ ما كان حسنًا منها، ويترك ما كان سيئًا بالتوبة الصادقة، فإن هذا خيرٌ له من بقائه تتراكم عليه الذنوب والسيئات، فيندم حين لا ينفع الندم!

الوصية الخامسة: إن الله تعالى رحيمٌ ولطيفٌ وودودٌ وعفوٌّ وتوابٌ وغفورٌ وغفارٌ وحليم، فأين صاحب المعصية من هذه الأسماء الحسنى؟! كيف لا تؤثر فيه وهو يعلمها ويقرؤها ويحفظها وهو مع ذلك شديد العقاب وعذابه أليم؟! فاستثمار ذلك بالتوبة هو عين العقل والحكمة والرشد.

الوصية السادسة: توبتك تعني محبة الله لك، وأيضاً تعني فرح الله سبحانه بك، فأنت تسعَد عندما يُحبك كبار القوم، فكيف إذا أحبك الله، ولله المثل الأعلى، وحينها سيُغدق عليك بالخيرات المتنوعة والتوفيق المتتابع؛ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]، فستكون بعد ذلك من قوم يحبهم ويحبونه وحينها يا بشراك!

الوصية السابعة: الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيءُ الليل؛ حتى تطلع الشمس من مغربها، كما أخرجه مسلم، فلماذا ذلك العاصي لا يُقبل على هذا البسط ويستثمره؟! فإن الأمر قد يتغيَّر فجأةً بموتٍ أو عقوبة أو غيرها، فليتَّقِ الله أولئك المخالفون، وليستثمروا بسط الله يده لهم إن كانوا يعقلون!

الوصية الثامنة: ماذا لو مات هذا العاصي على معصيته، فماذا يتمنى؟ لا شك أنه يتمنى أن يرجع ليتوب، فما دام هذا هو الواقع، وهو تمني الرجوع، فأنت الآن في زمن الإمهال، فلا تنتظر حتى يحصُل ما لأجله تتمنى الرجوع، فإن الإنسان له عقل يعرف فيه منافعه ومضارَّه!

الوصية التاسعة: لا تقنط مهما كثُرت معاصيك وسيئاتك، فإن الله تعالى يُنادينا جميعًا قائلًا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، فنداء يتبعه بشرى وبشرى يتبعها نتيجة عظيمة، وهي مغفرة الذنوب جميعًا، فأين العصاة من هذه الآية؟!

الوصية العاشرة: احرِص على شروط التوبة الصادقة، وهي العزم على ألا تعود، والإقلاع عن المعصية وتركها، وإن صاحب ذلك تأنيبُ الضمير والندم على ما مضى، فهو حَسَنٌ؛ فإنك بهذا تكون توبتك صادقةً ونصوحًا!، ومن آثار التوبة كثرة الحسنات التي يُوفَّق إليها التائبُ بعد توبته، فهو أثر عظيم وتوفيق من الله تبارك وتعالى للتائب، فما أعظمه من أثر وعطاء جزيل!

الوصية الحادية عشرة: اجعَل من مخرجاتك في رمضان توبتك من ذنوبك؛ لتكون صحيفتك فيه وفي غيره بيضاءَ نقيَّة، فتسعد دنيا وآخرةً!

الوصية الثانية عشرة: ادعُ الله تعالى كثيرًا أن يوفِّقك للتوبة والثبات عليها، فإن التوفيق لها رحمةٌ من الله تبارك وتعالى عليك، وإحسان ومحبة وفضل، فاطمح في هذا كثيرًا واطمع فيه؛ لعلك تُوفَّق إليه!

الوصية الثالثة عشرة: احذَر أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان:27]، فإنك الآن تخوض في الفرصة أو تتفيأ ظلالَها، فلا تفُتْك؛ فإن الأمر يأتي على غِرَّة وفجأة، والأمور تتغير بالليل والنهار، فاحسب لهذا حسابه!

أخي الكريم: بعد هذه الوصايا احرِص على دراسة وضعك، واعتبر بمن مضى ولم يتُب، واعلَم أن استمر العاصي على معصيته، فإنه لا يضر إلا نفسه، فعليك أن تتأمل هذا كثيرًا حقَّ التأمل!

وفَّقنا الله جميعًا للتوبة النصوح الصادقة، وغفر لنا ذنوبنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المصدر: شبكة الألوكة، مقتبسة من مقال “التوبة في شهر رمضان”.

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى