الذكر الحكيم

وسائل مُعِينة على تحقيق التفاعل مع القرآن

محمد الخولي

لا يشعر بأثر القرآن وهَدْيه إلا مَن تفاعل مع كلّ آية يقرؤُها أو يسمعها، وأدرك أن كلّ آية تحمل رسالة من الله -عزّ وجلّ- ينبغي عليه أن يرعي لها قلبه وعقله قبل سمعه وبصره، ولقد كان النبيُّ ﷺ أكثر الناس تفاعلاً مع القرآن، فكان إذا مرَّ بآية من آيات العذاب تعوَّذ بالله، وإذا مرَّ بآية رحمة سأل الله من رحمته، وإذا مرَّ بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مرَّ بآية ثناء على الله أثنى عليه، وإذا مرَّ بآية سجدة سجد، وكذلك كان أصحابه رضوان الله عليهم.

ولكن ما الوسائل التي تعيننا على تحقيق التفاعل مع القرآن؟

أولًا: انتزاع بعض الأوقات للخلوة بالقرآن:

ينبغي على المسلم أن يتخير الأوقات المناسبة لتدبر كتاب الله -عزّ وجلّ- حيث يفرغ ذهنه وقلبه من الصوارف التي ربما تَحُول بينه وبين الخشوع والتفاعل مع كلام الله -عزّ وجلّ- وينبغي أن يَعْلَم بأن الأمر ليس صعبًا كما يظنّ بعض الناس، فقد قال -تعالى-: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر: 22] يقول الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: “أي: ولقد يسّرْنا وسهّلْنا هذا القرآن الكريم وألفاظه للحفظ والأداء، ومعانيه للفهم والعلم”[1].

ثانيًا: التعوُّذ بالله من الشيطان الرجيم:

لأن هذا التعوذ يُعين العبد لا محالة على حضور قلبه، وخشوع جوارحه، فقد قال -تعالى-: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل: 98].

ويقول ابن القيم: “الشيطان يجلب على القارئ بخَيْلِهِ ورَجِلِهِ، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به -سبحانه- فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأمر عند الشروع أن يستعيذ بالله -عزّ وجلّ- منه”[2].

ثالثًا: الحرص على معرفة ما غمض من الكلمات والمعاني:

وذلك بالرجوع إلى كتب التفسير المشهورة عند أهل العلم، والمعروفة بسلامتها من الاعتقادات المخالفة، مثل: تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وتفسير البغوي، ومن الكتب المعاصرة: تفسير السعدي، وتفسير ابن عاشور، وغيرها من التفاسير، وذلك ليتسنى له معرفة الرسالة التي تتضمنها كلّ آية.

ولقد كان ذلك دأب السلف الصالح، حيث كان الواحد منهم إذا مرَّ على الآية لا يتركها حتى يتدبرها ويفهم معانيها، وإلَّا لا يعدّ لها أجرًا عند الله؛ فقد نقل الغزالي عن بعض السلف قوله: “آية لا أتفهّمها، ولا يكون قلبي فيها لا أعدّ لها ثوابًا”[3].

رابعًا: استشعار المسلم بأنه مخاطَب بكلّ آية من القرآن:

ينبغي للمسلم عند قراءة القرآن، أو الاستماع له، أن يستشعر أنه هو المقصود بهذا الخطاب وأنه موجّه له، وأن كلّ أمر أو نهي هو مأمور به، فلقد فطن أصحاب رسول الله ﷺ لهذا الأمر جيدًا، ومن ذلك ما روي عن أنس بن مالك، أنه قال: “لمَّا نزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2] جلس ثابت بن قيس في بيته، وقال: أنا من أهل النار، واحتبس عن النبي ﷺ فسأل النبيُّ ﷺ سعدَ بن معاذ، فقال: يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ أشتكَى؟ قال سعد: إنه لجاري، وما علمتُ له بشكوى، قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رسول الله ﷺ فقال ثابت: أُنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتًا على رسول الله ﷺ فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعدٌ للنبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ : بل هو من أهل الجنة[4].

خامسًا: الحرص على التطبيق والعمل بعد القراءة والفهم:

فإن التطبيق والعمل بعد القراءة والفهم لَهُوَ المقصدُ الأساسُ لنزول القرآن الكريم، وهو من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، فقد قال -تعالى-: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ۝ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:123-124].

فالعمل بعد القراءة له أهمية كبيرة وهو أمر لطالما نعى السلف على إهماله وعدم رعايته والانشغال فقط بالقراءة دون العمل، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: “أُنْزِل عليهم القرآن ليعملوا به، فاتخذوا درسه عملًا، وإنّ أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته، ما يُسْقِط منه حرفًا، وقد أسقط العمل به”[5].

ويقول الحسن البصري -رحمه الله- عن التدبر: “والله ما تَدَبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قرأتُ القرآن كله، ما يُرَى له القرآنُ في خُلقٍ ولا عملٍ”[6].

وختامًا -أيها القارئ الكريم- هذه مجرد نبضات حول التفاعل مع القرآن أردتُ من خلالها أن أدقّ ناقوس الإنذار؛ لينتبه المسلمون لبعض أخطائهم في التعامل مع أعظم رسالة وصلت إليهم، هذه الرسالة التي إن أحسنوا التعامل معها نالوا شرف الدنيا، وعزَّ الآخرة، ولِمَ لا؟! وقد قال النبي ﷺ في خطبته يوم حجة الوداع: وقد تركتُ فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله[7].

فنسأل الله أن يردّنا إلى القرآن مَرَدًّا جميلًا، وأن يجعلنا من العالِمين العامِلين، والحمد لله ربّ العالمين.

المصدر: مركز تفسير للدراسات القرآنية.

  1. تفسير السعدي (ص: 825).
  2. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن القيم (1/ 93).
  3. أحياء علوم الدين، للغزالي (1/ 282).
  4. رواه مسلم (119).
  5. تفسير ابن عطية (1/ 39).
  6. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (7/ 64).
  7. رواه مسلم (1218).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى