الذكر الحكيم

نسيان القرآن (مشكلة وحلها)

هناك شكاية من كثير من حملة القرآن، والمقبلين على حفظه وتعلمه، من النسيان الذي يعتريهم في حفظهم لكتاب الله تعالى، رغم مجاهدة النفس، وأطرها على المراجعة والتكرار، ومكابدة المشاق، وقد ولّدت حالة النسيان المستمر عند الحفظة حالة من الهم والحزن الذي يساورهم، كلما تذكروا ما وقعوا فيه، وربما انتكس بعض الحاملين لكتاب الله على عقبه بما يفعله الشيطان في نفسه، كأن يوسوس بأنه ليس من أهل  القرآن؛ إذ لو كان منهم ما نسي، أو ما نُسّي.
وليس الأمر مقتصراً على حملته الحافظين له، بل يشتد الخطب عند من يتلو القرآن، كأنه يمر على جريدة، فلا يعرف من أين بدأ، وفي أي موضع انتهى، إلا بعلامة كخيط -دقيق كان أو سميك- يضعه حيث بدأ في ختمته، ويتحفظ له حيث انتهى من قراءته؟!
لكن حين تتسع العلوم من حول المرء فإن من الخير له أن يوظف ما تعلمه من خير في خدمة دينه، الذي أساسه كتاب ربه، حيث علمنا أن حضارة الأمة -على اتساعها وتنوعها وتشعبها- قامت في كل جزئية منها على خدمة القرآن والسنة، فكان توظيف علوم العصر في خدمة القرآن والسنة مما ينبغي أن تصرف إليه الهمم، فانظر كم استفاد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، حين تحولوا بكتابة المصحف من النسخ باليد إلى الطباعة بالحرف، ومن الاجتماع على قارئ إلى تداول المسجلات على الأشرطة والأسطوانات، ومن تداول المخطوط من التراث إلى اقتناء المطبوع  منه، وهكذا.
وإذا كان السلف -رضوان الله عليهم- قد أحسنوا التعامل مع القرآن بالعمل به ترافقاً مع حفظه، حيث رزقوا بالفطرة والسليقة استشفاف معاني القرآن، وترابط آياته ترابطاً يجعلها أمامهم كالعقد المنظوم، بشكل بديع، لا يسع الناظر إليه أن يقدم، أو يؤخر، حتى لا يختل نظام السداد والكمال فيه، لكن مع تناقص الملكات وضعفها، وكثرة المشاغل وتزاحمها يحتاج المرء كي يسلك السبيل ذاته في نهج طريقتهم أن يوظف علوماً تساعده على ما هو بسبيله.
والشيء بالشيء يذكر، فمما يمكن الاستفادة منه في حفظ القرآن وتدبره: (علم الخرائط الذهنية) حيث يمكن الاستفادة منه في جانب التدبر والحفظ، وفكرة الخرائط الذهنية هي محاولة الوصول إلى الترابط العميق بين موضوعات السورة، وصولًا إلى الاستفادة من الوحدة الموضوعية لها، والترابط بين الآيات والموضوعات كعامل رئيس في ترسيخ الحفظ وتثبيته.
ولا يخفى على المرء كم يساعده فهم المعنى، وترابط الموضوعات على استكمال الحفظ، وعلى نهمه الدائم بالعودة إلى ما هو بسبيله من الحفظ، كلما أخذته الشواغل، أو صرفته الخطوب.
من أجل هذا سنعرض لهذه الفكرة النظرية نموذجاً عمليّاً في محاولة لاستشفاف الترابط بين الآيات والموضوعات، ومن خلال المحاور التي تنتظم تحت الموضوع الكلي لسورة البقرة -وهو العبادة- وكيف انتظم تحت العبادة محاور تتكامل فيما بينها؛ تجعل السورة وحدة واحدة، تجول بذهن سامعها، كلما تفلتت منه، أو نسي بعض آياتها، بل قد تسوقه عند التدبر ألا يقف حتى ينتهي من آخر كلمة في السورة، حتى يكتمل المشهد لديه، ليجد نفسه في النهاية متطلعاً إلى السورة التي تليها؛ ليعيش معها ما عاشه مع سالفتها، ويظل هكذا مع القرآن ينهل منه عطاء يتجدد، ومدداً لا ينقطع، مهما طال العهد، وبَعُد الزمن.

الناشر: إبراهيم الدويش

المصدر: موقع طريق الإسلام

مواد ذات صلة

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى