الزم القرآن يحفظك الرحمن
إن من أسباب حفظ العبد في دينه ودنياه تلاوة القرآن الكريم، وقد ورد في سنة النبي ﷺ بعض الآيات والسور الخاصة وأنها سبب في الحفظ والوقاية والكفاية، كآية الكرسي والمعوذات، فمما ورد في فضل سورة البقرة وآل عمران حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة [أخرجه مسلم، برقم (804)].
أخرج البخاري في صحيحه: أن الشيطان قال لأبي هريرة -رضي الله عنه- حين وكله النبي ﷺ بحفظ زكاة رمضان: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله ﷺ: ما فعل أسيرك البارحة، قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: «ما هي»، قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح -كانوا أحرص شيء على الخير- فقال النبي ﷺ: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟، قال: لا، قال: ذاك شيطان [أخرجه البخاري، برقم (2311)].
ومما ورد في فضل آخر آيتين من سورة البقرة ما روي عن أبي مسعود -رضي الله عنه-، قال: قال النبي ﷺ: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه [أخرجه البخاري، برقم (5009)، ومسلم، برقم (807)].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “قوله: كفتاه، أي: أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن، وقيل: أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقاً سواء كان داخل الصلاة أم خارجها، وقيل: معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالاً، وقيل: معناه كفتاه كل سوء، وقيل: كفتاه شر الشيطان، وقيل: دفعتا عنه شر الإنس والجن، وقيل: معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه، وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم” [فتح الباري لابن حجر (9/ 56)].
وقال النووي رحمه الله: “قيل: معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات، ويحتمل من الجميع” [شرح النووي على مسلم (6/ 91-92)].
ومما ورد في فضل سورة الكهف ما روي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، أن النبي ﷺ، قال: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال [أخرجه مسلم، برقم (809)].
ومما روي في فضل سورة الإخلاص حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-، عن النبي ﷺ، قال: أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟، قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن [أخرجه مسلم، برقم(811)].
وعن عقبة بن عامر الجهني قال: بينا أنا أقود برسول الله ﷺ راحلته في غزوة إذ قال: يا عقبة، قل فاستمعت، ثم قال: يا عقبة، قل فاستمعت، فقالها الثالثة، فقلت: ما أقول؟، فقال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فقرأ السورة حتى ختمها، ثم قرأ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقرأت معه حتى ختمها، ثم قرأ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فقرأت معه حتى ختمها، ثم قال: ما تعوذ بمثلهن أحد [أخرجه النسائي، برقم (5430)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (4396)].
والقرآن أيها الأفاضل: كله خير وبركة على قارئه، فعلى المسلم أن يستغل قسطا من سنام وقته لتلاوته وتدبره؛ فهو خير ما تلتمس فيه البركة، وتستدفع به الشرور؛ وقد قيل للحسن: فلان يحفظ القرآن؛ فقال: بل القرآن يحفظه.
ونحن أيها الكرام في أيام فاضلة، أيام مباركة، أيام القرآن، والقرآن كلام الرحمن فلنغترف من هذا المنهل العظيم، يحفظنا الله ويرفع درجاتنا ويعظم لنا الأجر والمثوبة، وفقنا الله وإياكم لطاعته ورضوانه، وأعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وشفيعنا يوم لقاه، والحمد لله رب العالمين.