الدنيا زائلة
يا من عشت للدنيا! يا من عشت للكرسي الزائل! يا من عشت للمنصب الفاني! يا من ظننت أن كرسيك لا يزول! ويا من ظننت أن منصبك لا يفنى! أين الحبيب رسول الله؟! أين سيد الخلق؟! أين حبيب الحق؟! أين من قال له ربه: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]؟!.
أيا عبد كم يراك الله عاصياً حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا نسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيا إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عرياناً ولو كان كاسيا ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حيَّاً وباقياً ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب والمعاصي كما هيا كم ستعيش؟ إن عمرك في حساب الزمن لحظات، وما هي النتيجة؟ وما هي النهاية؟ يا أيها الإنسان! يا أيها الكبير! ويا أيها الصغير! يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]، وقال تعالى: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30].
ويفتح سِجِلُّكَ يا مسكين! ويفتح ملفك يا غافل! وإذا به فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32]، سمع الأذان وسمع النداء يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، وهو ما زال جالساً على المقهى في معصية الله جل وعلا، لم يُجِبْ نداء الحق جل وعلا.
وتأتي للصلاة على فتور | كأنك قد دعيت إلى البلاء |
وإن أديتها جاءت بنقص لما | قد كان من شرك الرياء |
وإن تخلو عن الإشراك فيها | تدبر للأمور بالارتقاء |
ويا ليت التدبر في مباح | ولكن في المشقة والشقاء |
وإن كنت المصلي يوماً بين | خلقٍ أطلت ركوعها بالانحناء |
وتعجل خوف تأخير لشغل | كأن الشغل أولى من لقاه |
وإن كنت المجالس يوماً أنسا | قطعت الوقت من غير اكتفاء |
أيا عبد لا يساوي الله معـك | أنساً تناجيه بحب أو صفاء |
يا غافل! يا لاهِ! أيها الساهي! يا من نسيت حقيقة الدنيا ونسيت الآخرة! يا من تركت الصلاة! يا من ضيعت حقوق الله! يا من عذبت الموحِّدين لله! يا من بارزت الله بالمعصية! يا من عق أباه! يا من عق أمه! يا من قطع رحمه! يا من ضيّع حقوق الله!
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا | واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يـا مُذنـبُ |
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه | لابَـدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ |
لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ | بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ |
والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا | ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ |
وغرورُ دنيـاكَ التي تسعى لها | دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ |
والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا | أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ |
المصدر: دروس للشيخ محمد حسان (149/ 4، بترقيم الشاملة آليا).