احرص على ما ينفعك
لقد خلقنا الله – تبارك وتعالى – في هذه الحياة وجعل لنا عقولاً نميز بها الحق من الباطل وأرسل إلينا نبينا محمد ﷺ بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبينه ووضحه أحسن بيان في سنته، قال الله سبحانه: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3]، قال مجاهد: أي: بينا له، ووضحناه، وسهلنا عليه عمله، وهكذا قال الحسن، وابن زيد. -قال ابن كثير:- وهذا هو الأرجح والله أعلم [تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 322)].
أخرج الإمام مسلم في صحيحه، برقم (2664)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز،…، والشاهد في الحديث قوله: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فجمع ﷺ بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال، والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز والكسل، فلا تعجز عن الطاعات، ولا تكسل عنها، وشهر رمضان المبارك يكثر فيه التنافس لفعل الطاعات فعليك أيها المبارك أن تسهم في كل قربة، صمه إيماناً واحتساباً ليغفر الله سبحانه لك ما تقدم من ذنبك، وليكن النصيب الأكبر فيه تلاوة كتاب الله تعالى تلاوة وتدبراً، فهو شهر القرآن، وقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي ﷺ القرآن كل ليلة في رمضان.
وحين تقرأ كتاب الله – عز وجل – استشعر أن تقرأ كلام الله، تدبره وتفكر فيه، قال الآجري رحمه الله: “وأحب لمن تلا القرآن أن يقرأه بحزن، ويبكي إن قدر، فإن لم يقدر تباكىن وأحب له أن يتفكر في تلاوته، ويتدبر ما يتلوه، ويستعمل غض الطرف عما يلهي القلوب، ولو ترك كل شيء حتى ينقضي درسه كان أحب إلي؛ ليحضر فهمه، فلا يشتغل بغير كلام مولاه، وأحب إذا درس فمرت به آية رحمة سأل مولاه الكريم، وإذا مرت به آية عذاب استعاذ بالله عز وجل من النار” [أخلاق أهل القرآن (ص: 146)].
حافظ على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، واحرص على التبكير للمسجد والصف الأول عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله ﷺ قال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولو حبوا [أخرجه البخاري، برقم (615)، ومسلم، برقم (437)].
احرص على أن تكون جواداً بالخير متصدقاً محسناً لعباد الله، واصلاً للرحم، وإن استطعت أن تفطر كل يوم صائماً على الأقل ففعل لتنال مثل أجره.
ويقول الله سبحانه داعياً لنا لفعل الخير: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]، وفعل الخير يشمل كل خير.
وأمرنا بالسباق لفعل الخيرات فقال: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وأمر بالمسارعة فقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، ولحرص الصحابة الكرام على الخير وما ينفعهم كانوا يسألون النبي ﷺ عن ذلك، فأحد الصحابة يسأل النبي ﷺ: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله [أخرجه الترمذي، برقم (3375)، وابن ماجه، برقم (3793)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7700)]، وآخر يسأل النبي ﷺ مرافقته في الجنة، فيقول له عليه الصلاة والسلام: أعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة، إلا رفعك بها درجة[أخرجه مسلم، برقم (226)].
ويحث النبي ﷺ على المبادة بالأعمال الصالحة خاصة في أيام الفتن: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا [أخرجه مسلم، برقم (118)]، وحث النبي عليه الصلاة والسلام لاغتنام الفرص الشباب قب الهرم والصحة قبل المرض والغناء قبل الفقر والفراغ قبل الشغل والحياة قبل الموت: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك [أخرجه النسائي في السنن الكبرى، برقم (11832)، والحاكم في المستدرك، برقم (7846)، وقال: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه”، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1077)].
وفقنا الله وإياكم لفعل الخيرات، واجتناب المنكرات، وحب المساكين، ونسأله سبحانه أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب لأحزاننا، والحمد لله رب العالمين.