هيا بنـا نؤمن ساعة

تأملات في تلاوة الوتر

رمضان شهر الصبر، تملأ أيامه الرحمة، وتنزل فيها المغفرة، ويحظى فيها السعيد بالعتق من النار والفوز بالجنة، وتستنهض في رمضان الهمم؛ فتقبل النفوس على كتاب الله قراءةً وتدبرًا لمعانيه، وتزداد فيه عمارة بيوت الله بالذكر والحرص على الجماعات، وعلى قيام الليل بركعات قليلة، ترفع من أخلص واحتسب فيها درجات كثيرة، إنه لشهر تروي النفوس فيه ظمأها بالنهل من معين القرآن الكريم؛ بترتيله والخشوع في صلاة القيام التي تفوح كالنسمات الباردة العطرة لتزين ليالي هذا الشهر المبارك، ولتنساب هذه النسمات الشذية إلى ثنايا الأرواح المؤمنة.
وعند تأملنا لبعض الآيات القرآنية والأدعية التي يتكرر ذكرها في صلاة الوتر من صلاة القيام، سنشعر بأن لكل آية من هذه الآيات طائفة مختلفة من المشاعر، تجعل المرء يحدث ذاته من خلال تأمل معانيها، وبعض هذه الآيات يؤكد مفاهيم عقدية أصيلة، ويزيدها في النفس رسوخًا؛ قال -تعالى-: قَدْ أَفلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14]؛ هذه آية من سورة الأعلى تخبرنا بسر الفلاح وطريقه الأوحد؛ وهو إصلاح النفس وتزكيتها وتطهيرها، وكل من حاد عن درب التزكية بعد عن غاية الفلاح والنجاح، وتقدمه ركب الناجين، وقد يفوته إن لم يعد إلى جادة الحق ويسرع السير بخطوات التوبة والاستغفار، ويحث مطيته بسوط الحسرة والندم؛ قال -سبحانه-: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا ۝ وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبْقَى [الأعلى: 16، 17]؛ آيات من سورة الأعلى تجعل من يتأملها يلوم نفسه ويعاتبها: يا نفس، كيف تفضلين دنيا فانيةً زائلة على نعيم أخروي مقيم، لم تسمع به أذن ولم تره عين، ولم يخطر على قلب بشر؟! كيف يكون عاقلاً من باع نعيم الخلود بشهوة ساعة؟!
وقال -جل شأنه-: سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ۝ وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى [الأعلى:10، 11]؛ ونحن نتعلم من هاتين الآيتين أن أهل الخشية لله -عز وجل- هم أهل التذكرة والاتعاظ بآيات الله ووحيه، فإن وجدنا أن الذكرى قد قلت أو غابت عن قلوبنا علمنا يقينًا بأن خشيتنا لله تحتاج إلى إصلاح وزيادة.
وقال -عز من قائل-: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1، 2]؛ آيات من سورة "الكافرون" تذكرنا بمفهوم إيماني وعقدي لا بد أن يكون راسخًا في قلوبنا كالجبال الرواسي، لا تهزه شبهة ولا تحركه شهوة، وفي الآية نفي شديد وصريح في خطاب يوجه للكافرين حتى يرث الله الأرض ومن عليها: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وترد في هذا السياق صيحات الصحابي الجليل "بلال بن رباح": أحد، أحد، حين كان كفار مكة يسحبون جسمه الضعيف على رمضاء مكة اللاهبة، فيا له من منظر عجيب، تعذبهم كلمات بلال الموحدة، ولا يزيده تعذيبهم إياه إلا قوةً وعزًّا وثباتًا.

الناشر: أسرة تحرير “رمضانيات”

المصدر: موقع رمضانيات

مواد ذات صلة

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى