هيا بنـا نؤمن ساعة

ترك الذنوب حياة القلوب

عبدالرحمن بن سعد الشثري

إن هذه الفتن التي تعرض على القلوب، من فتن الشهوات والشبهات، وفتن الغيِّ والضلال، وفتن المعاصي والبدع، وفتن الظلم والجهل، هي سبب أمراض القلوب، قال ﷺ: تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ[1].

أي: أن فتن الشهوات والشبهات لا تزالُ تَظهرُ على القلوب فتنةً بعد أُخرى، كما يُنسَجُ الحصيرُ عودًا عودًا، فإذا خالطت القلب أُشربَ حُبَّها فدَخلت فيه دُخولًا تامًا، ولَزِمَها لُزومًا كاملًا، وحلَّت منه مَحَلَّ الشرابِ في نفوذ المسامِّ وتنفيذِ الْمَرامِ؛ فأثَّرت فيه، وأيُّ قلبٍ أنكرَها، وردَّ الفتنَ، وامتنعَ من قبولها؛ نُكتَ فيه نُكتةٌ بيضاءُ؛ فأُثبتت ودامت واستمرَّت، فتصيرُ القلوب صنفين.

وما أصاب الأُمةَ من الشرور والبلاء والبدع والمنكرات إلا بسبب أمراض القلوب، قال ابن القيم: “قالَ ثابتُ بْنُ قُرَّةَ: راحَةُ الجِسْمِ في قِلَّةِ الطَّعَامِ، وراحَةُ الرُّوحِ في قِلَّةِ الآثامِ، ورَاحَةُ اللِّسَانِ في قِلَّةِ الْكَلامِ، والذُّنُوبُ لِلْقَلْبِ بمَنْزِلَةِ السُّمُومِ، إِنْ لَمْ تُهْلِكْهُ أَضْعَفَتْهُ ولا بُدَّ، وإذا ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُقَاوَمَةِ الأَمْرَاضِ، قَالَ طَبِيبُ الْقُلُوبِ عَبْدُاللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ:

رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَوَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ

وخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا

فَالْهَوَى أَكْبَرُ أَدْوَائِهَا، وَمُخَالَفَتُهُ أَعْظَمُ أَدْوِيَتِهَا”[2].

عبدَالله: اعمل على إصلاح قلبك، فصلاحه صلاحٌ لجميع أعضائك، وصلاحُه لا يكون إلا بالإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته وتوحيده، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ومعرفته سبحانه وحُبِّه والإخلاص له، واتباع نبيِّه ﷺ وهذا لا يكون إلا بتدبُّر كتابه والعلم والعمل بأحكامه يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57].

فلنغتنم إصلاح قلوبنا بحُسنِ النيَّة في كُلِّ مطلوبٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُم[3].

وقال ﷺ: ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ[4].

قال ابن الأثير: “والمعنى: أنَّ هذه الْخِلالَ الثلاثَ تُستصلَحُ بها القلوبُ، فمَن تَمَسَّكَ بها؛ طَهُرَ قلبُهُ من الخيانةِ والدَّغلِ والشرِّ”[5].

قال الحارثي – رحمه الله-: “من اجتمعت فيه هذه الخصال في زماننا هذا؛ فهو من أولياء الله – عز وجل- “[6] نسأل الله من فضله.

فماذا سيقول فيمن اجتمعت فيه هذه الخصال في زماننا هذا؟!

ولنسأل مولانا أن يُطهِّر قلوبنا من الغلِّ والحقدِ، ومن الكِبْرِ والتعاظُّم على العبادِ والحَسَد.

فطوبى لِمن أخلص لله في أقواله وأفعاله، ورجا فضله في حاله ومآله، وطهَّر قلبه من البغضاء والعداوة للمسلمين، وتعاونَ معهم في أُمور الدنيا والدين، وويلٌ لِمن تعلَّقَ قلبُه بأحدٍ من المخلوقين، أو امتلأ من الغلِّ والحقدِ على المؤمنين؛ أمَّا الأولُ فإنه يسعى في علوِّ الدرجات، وأما الآخَرُ فإنه يتردى في مهاوي الهلكات.

اللهم يا مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا وقلوب والدينا وأهلينا.

المصدر: شبكة الألوكة.

  1. رواه مسلم (144).
  2. زاد المعاد، لابن القيم (4/ 186).
  3. رواه مسلم (2564).
  4. رواه الترمذي في سننه (2658)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (228).
  5. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/ 381).
  6. قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد، للحارثي (2/ 236).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى