هيا بنـا نؤمن ساعة

شهر الانتصارات

بعد أن هاجر رسول الله -ﷺ- إلى المدينة، ووجد مكاناً آمناً ينشر فيه دعوته، بدأت المواجهات العسكرية بينه وبين المشركين، وأعظم حدث فاصل بين المسلمين والكفار، كان في موقعة بدر الكبرى الشهيرة، التي كانت في رمضان، وحقق المسلمون فيهم أهم وأقوى انتصار على جحافل المشركين، وفرق الله فيها بين الحق والباطل، ولم تكن بدر هي الموقعة الوحيدة التي انتصر فيها المسلمون في رمضان.
بل إن هذا الشهر العظيم حقق المسلمون فيه انتصارات باهرة، منذ صدر الإسلام، إلى يومنا هذا، وكتب الله تعالى الظهور لهذا الدين في معارك عديدة، وفتوحات كثيرة، وكانت الجيوش الإسلامية تثبت وجودها في تلك المواجهات العسكرية، فكان الصوم أعظم عبادة تعين المسلمين على الثبات أمام أعدائهم، فالصائم حين يمسك عن المفطرات نهار رمضان، يبدأ بمحاربة نفسه عن الوقوع فيها، ويكبح جماح شهواتها، فينتصر عليها، وعلى الشيطان، فيحقق نصراً معنوياً يقوي عزمه، ويزيد من يقينه وإيمانه.
ومن هنا ارتبط الصيام بالجهاد؛ فكلاهما حرب ومقاومة للنفس والعدو، فالصوم تدريب على الجهاد؛ ولذلك نجد أن المسلمين في شهر رمضان كانت لهم أقوى المواقف الحاسمة في تاريخ المواجهة بينهم وبين أعدائهم، وكان الفوز والغلبة حليفهم في مثل هذه الأيام المباركة، ففيه كان الفتح الأعظم لمكة المكرمة، وإزالة معاقل الشرك والوثنية، وتطهير الكعبة من دنسها، وإعلان كلمة التوحيد في أرجاء البلد الحرام؛ لتبطل كل دعوة لعبادة غير الله تعالى.
ولا ننسى فتح الأندلس، وبطله طارق بن زياد، ولا معركة بلاط الشهداء الشهيرة، وقائدها الفذ، الذي استشهد في ميدانها، عبد الرحمن الغافقي، ثم نداء المرأة في عمورية، واستغاثتها بالمعتصم، وتلبيته لها، وتصوير قصة هذا الفتح في قصيدة أبي تمام الشهيرة.
وكيف كان الانتصار الساحق للقائد المسلم المظفر قطز، الذي هزم المغول في موقعة عين جالوت، سنة ثمان وخمسين وستمائة للهجرة، كما كان فتح الظاهر بيبرس بجيشه الإسلامي لمدينة أنطاكية في منتصف القرن السابع الهجري تقريباً.
كما سجَّل التاريخ أخبار الانتصارات الحاسمة على الصليبيين في الحروب التي قادها بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي في مواجهاته معهم.
وهكذا فإن شهر رمضان كان زمناً سجل فيه المسلمون انتصارات حاسمة، وقد كتب الله لهم ذلك النصر حين نصروا دينه، وقصدوا إعلاء كلمته، وكان همهم الأكبر أن ينتصر هذا الدين في جميع أقطار الأرض، ولو أخذ المسلمون الآن بأسباب النصر وحققوها لنصرهم الله على أعدائهم، كما نصر أسلافهم، وعد الله لا يخلف الله وعده: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].

الناشر: عبد الكريم العمري

المصدر: من كتاب: صفحات رمضانية

مواد ذات صلة

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى