هيا بنـا نؤمن ساعة

رمضان موسم الخير

نفحةٌ من الجلال القدسي، وقبسٌ من الجمال الإلهي، وارتقاءٌ بالبشر إلى درجة الملك، وكبحٌ لجماح الشهوات، وكفٌّ عن المضي في لذائذ الحس، واستغراقٌ للروح في عالم المثُل الرفيعة، والمعاني السامية، ذلكم هو الصيام؛ فالصيام تهذيب للنفس، وتزكية للروح، وسبيل قاصدة لاحترام الإنسان لنفسه، والسمو بها إلى أرفع الدرجات: أدب رفيع، وخُلق رحيم، وهدى من الله كريم، إنه العصمة من الزلل، والوقاية من الخطل، ينصرف الصائمون فيه عن المادة وأوضارها، والشهوة وآصارها، فيصبح الإنسان فيه وقد سيطرت الروح على حسه؛ فهو يسبح في عالم الأسرار والأنوار.
استمع إلى هذا الحديث النبوي الكريم، وعطِّر لسانك ومجلسك بذلك الأدب العظيم: الصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك [البخاري (1904) ومسلم (1151)].
ويقول الله في الحديث القدسي عن الصائم: الصوم لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي [أحمد (9112) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].
 إذاً فالصوم ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب والشهوة، وإنما هو دروس قيّمة، وعظات كريمة، وحِكَم بالغة، ولا عجب فهو يعلِّمنا الإحساس بما يلقاه الفقير من جهد الحياة، وما يكابده من مرارة الحرمان، وألم المسغبة؛ فهو لفتة ربانية وجَّه بها القادرين لرعاية العاجزين، أو مواساة المحتاجين، والتخفيف عن البائسين والمكروبين، وهو علاجٌ سماوي عالمي، عالَجَ الله به داءَ الشُّحِّ والأثرة والتكبر على اختلاف الأزمان، وتباين الناس، وفي جميع الأديان يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فهو تذكرة للمسلمين بأعظم أمجادهم، وأنبل تراثهم، وإيقاظٌ للمعاني الكريمة التي أضاء نورها في الخافقين، وعم أثرها المبارك في العالمين شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدََ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185].
فالصوم تُقى ونور، ورحمة وبرّ، يعين الإنسان على كبح الشهوات، ومقاومة المغريات، والقصد في تناول اللذات، يصل الإنسان بالله، فيغرق في عالم الجلال والجمال، وضيء النفس، مشرق الروح، صافي القلب، بعيداً عن الأثَرة والأنانية.
 ومتى أحس الإنسان هذا الإحساس، سمَتْ إنسانيتُه، وارتفعت في نظره قيمته، وارتقى خُلُقه، فبعُدَ عن الهُجْرِ والإسفاف، وكف عن الإثم والعدوان، والزور والبهتان.
 ولا يكمُلُ صوم المسلم إلا بذلك الصفاء، وهذا السمو؛ فإن النبي -ﷺ- يقول: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه [البخاري (1903)].
فرمضان موسم الصفاء الروحي، والإشراق القلبي، والنور الإلهي، يتميز بالرحمة والإيثار، والجود والسخاء، يَقْوى فيه بين الناس التراحمُ والتعاطف، والتواصل والتآخي والتآزر؛ روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -ﷺ- كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجودُ ما يكون في رمضان [البخاري (6)].

الناشر: الشيخ إبراهيم أبو النصر

المصدر: شبكة الألوكة

مواد ذات صلة

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى