هيا بنـا نؤمن ساعة

لسانك في رمضان

لسانك له عبادة في رمضان، بعضها ذكر، وبعضها صمت، فالصمت معاني الصوم، كما قالت مريم عليها السلام: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا [مريم:26]، وصومها المنذور كان صمتاً وسكوتاً عن الكلام، أما الصمت المطلوب في صومنا فهو الإمساك عن ذنوب اللسان، والكف عن آفات النطق، فللنطق والكلام آفات هي حصائد الألسنة التي قال عنها النبي ﷺ: وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟![1]، وهذه الحصائد كثيرة، منها الغيبة والنميمة والكذب وكلمات الهمز واللمز والزور والازدراء والتحقير، وأشد من هذا كلمات الكفر والشرك التي يخلد بها المرء في الجحيم إذا لم يخلص التوبة لرب العالمين.

وإذا لم يحفظ الإنسان لسانه من تلك الآفات المحرمة في صيامه، فماذا يفيده صومه، وهل تتحقق به التقوى المنشودة من الصوم؟!

إن آفة واحدة من آفات اللسان وهي قول الزور، تذهب بروح الصيام وتزهقها، فقد قال رسول الله ﷺ: من لم يَدَع قول الزور والعمل به، فليس لله حجة في أن يدع طعامه وشرابه[2]، ولهذا نهى النبي ﷺ في حديث آخر عن تصديع جدار الصيام بتلك الآفات، فيصبح غير صالح لأن يكون جُنة أو وقاية، قال عليه الصلاة والسلام: الصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم[3]، فبيَّن النبي ﷺ أن الرفث وهو الفحش ورديء الكلام وكذلك الفسق والجهل وما يترتب عليهما من إطلاق اللسان فيما لا يليق، كل ذلك يعطل الصيام عن أن يكون جنة، أي وقاية من النار.

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “كم من صَائِم عَن الطَّعَام مفطر بالْكلَام دائب على الْقيام مؤذ للأنام فَهُوَ من لِسَانه وَفعله موزور وعَلى صِيَامه وقيامه غير مأجور، أَيْن من زاغ عَن الْهدى ودال على سَبِيل الردى، بل أَيْن من رانت الذُّنُوب على قلبه وَلم يُبَادر بِالتَّوْبَةِ من ذَنبه وَلم يخف من عَذَاب ربه وَيحك يَا مِسْكين: اغتنم شهر رَمَضَان المتضمن بِالرَّحْمَةِ والغفران، وَانْظُر لنَفسك يَا مِسْكين قبل أَن تصل إِلَى حلقك السكين”[4].

إنها أيام قليلة أيها الصائم فعظمها واغتنمها وحصنها من سيف اللسان، وسهام النطق في الجد والهزل وفي الرضا والغضب وتمثل قول الشاعر:

سأصــرف همتـــي بالكل عمــانهانـي الله من أمـــر المــــــزاح
إلى شهر الخشوع مـع الخشوعإلى شهـــر العفــــاف مع الصلاح
يجازى الصائمون إذا استقاموابــدار الخلـــد والحـــور المـــلاح
وبالغفـــران من رب عظيــــــموبالملـك الكبيـــر بلا بــــراح

المصدر: كتاب: روح الصيام ومعانيه (ص:84-85) للدكتور عبدالعزيز كامل.

  1. أخرجه أحمد(21008)، (21051)، والترمذي (2541)، وابن ماجه (3963)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (412).
  2. رواه البخاري (1770)، (5597).
  3. أخرجه مسلم (1944).
  4. بستان الواعظين، لابن الجوزي (ص: 312).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى