هيا بنـا نؤمن ساعة

اكف جارك

الإسلام دين ترابط وتآلف، وتآخٍ، وتكاتف، وهو دين يدعو أبناءه إلى المحبة، ويناشد المجتمع بتوثيق عرى الصلة على مستوى صغاره وكباره، وقد أقام العلائق بين الخلائق على أساس من التراحم والتعاطف فقال -سبحانه-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13]، وأعظم من حَضَّ الإسلام على الإحسان إليه، وأكَّد على حسن معاملته، وحثَّ على غاية التلاطف معه، وحذَّر أشد الحذر من إيذائه، وتجريحه، وجعل الشارع الحكيم أذية الجار سببًا لاستحقاق النار -عياذًا بالله- ولو كان المرء صاحب طاعة، وعبادة؛ فقد ثبت من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا قال: "يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها، وصيامها، وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار [رواه أحمد:9673، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:2560].
ونفي المصطفى -ﷺ– الإيمان عمن لا يسلم جيرانه من شره فقال -ﷺ-: والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه [رواه البخاري:6016، ومسلم:46]، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
كل هذا تنويهًا بشأن الجار، وجلالة مكانته، وقدره، فكيف بك أيها المسكين حين تقف بين يدي رب العالمين، وجارك يشتكيك ويقول: يا رب إن جاري هذا لم يرع حق الجيرة، ولم يحسن معي السيرة، آذاني بعينه ينظر إلى محارمي، وبسمعه يتسلط على أسراري، وبلسانه يتفكه بمعايبي.
فيا ابن الإسلام: إن حق جارك عليك عظيم، فمن حقه عليك إن مرض أن تعوده، وإن مات أن تشيعه، وإن استقرض وأنت قادر أن تقرضه، وإن أعوز أن تستره، وإن أصاب خيرًا أن تهنئه، وإن أصيب بمصيبة أن تعزيه، وألا ترفع بناءك على بنائه لتؤذيه، وإذا رأيته على منكر أن تنهاه، وإذا رأيته على معروف أن تعينه عليه، فربما تعلق برقبتك يوم القيامة فيقول: رب .. هذا رآني على منكر فلم يأمرنِي ولم ينهانِي.
ومن حق الجار أيضًا تجاه جاره أن يتحسس حاله، وأن يتفقد حاله، ومعاشه، وأن يغنيه ذل السؤال إن كان معوزًا محتاجًا يقول -ﷺ-: ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم بِه [رواه الطبراني في الكبير:751، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب:2561]، ويتأكد هذا الحق خاصة إذا أهلَّ علينا شهر رمضان المبارك، وأناخ بوادينا أيامه، ولياليه العاطرة، فإذا ما أصبح كل فرد يهتم بجاره، ويتفقد أحواله؛ ساد في المجتمع روح الإخاء بين أفراده، وخيمت سحب المودة على قلوب صغاره وكباره، وعاشوا أنعم عيش، واختفى البؤس وشظف العيش.
وإن من المؤسف حقًا في هذه الأزمنة المتأخرة أن تلمس الإعراض عن الجار في كثير من الأحياء والبيوت، فتجد الجار لا يعرف جاره، ولا اسمه، ولا عنوانه، ولا غناه، ولا فقره -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يوفقنا للقيام بحقوق الجار، وأن يستخدمنا في خدمة عباده الأخيار.

الناشر: أسرة تحرير “رمضانيات”

المصدر: موقع رمضانيات

مواد ذات صلة

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى