الذكر الحكيم

الاستماع إلى القرآن الكريم

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -ﷺ-: اقرأ علَيَّ قلتُ: أقرأ عليك وعليك أُنزل؟! قال: فإني أحب أن أسمعه من غيري فقرأتُ عليه سورة النساء، حتى بلغتُ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41] قال: أمسِكْ فإذا عيناه تذرِفان [البخاري (4306) ومسلم (800)].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:

الفائدة الأولى:
دل الحديث على استحباب الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم، وقد قال الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] فأحسن الاستماع وأجَلُّه الاستماع إلى كلام الله تعالى، قال العلماء -رحمهم الله تعالى-: واستماعه يقع على ثلاث مراتب: استماع مجرد، وأعلى منه استماع تفهم وتدبر، وأعلى ذلك استماع الإجابة والقبول، وهو متضمن لما قبله [مدارج السالكين (1/483)].
فينبغي للمسلم الحرص على الاستماع لكلام الله تعالى؛ فهو حياة قلبه، يفعل ذلك مباشرة مع إخوانه وأصحابه، أو عن طريق أجهزة التسجيل، أو الأجهزة الإلكترونية بأنواعها، ولا يكن هم المسلم مصروفاً لاستماع الباطل من الكذب والغِيبة وآلات اللهو، منصرفاً عن الاستماع لكلام الباري -جل في علاه-.

الفائدة الثانية:
ينبغي عند قراءة القرآن الكريم قراءته بالتدبر والتفهم لمعانيه ومقاصده؛ قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [محمد:24]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] يقول الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: "إن مَن كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقَّدونها في النهار" [التبيان في آداب حملة القرآن (ص:28)].
وقال قتادة -رحمه الله-: قوله أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] إذًا والله يجدون في القرآن زاجراً عن معصية الله لو تدبره القوم فعقلوه، ولكنهم أخذوا بالمتشابه، فهلكوا عند ذلك [تفسير الطبري (26/57)].
وقال خالد بن معدان: "ما من آدمي إلا وله أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه، وما يصلحه من معيشته، وعينان في قلبِه لدِينه، وما وعد الله من الغيب، فإذا أراد الله بعبد خيراً أبصرت عيناه اللتان في قلبه، وإذا أراد الله به غير ذلك طمس عليهما، فذلك قوله: أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

الفائدة الثالثة:
مما يعين على تدبر القرآن الكريم أن يقرأه المسلم بتمهُّل وتفهُّم، ولا يقرأه على عجَل، كأنما يقرأ شِعراً، أو يطالع صحيفةً، بل يجمع همته عند القراءة، حتى يستحضر قلبه، ويستدر دموعه، ويتأمل ما في الكتاب الكريم من آيات الرجاء والرحمة، والتهديد والوعيد، وأحوال الماضين، وغير ذلك؛ فإن القرآن كتاب هداية، وكيف يهتدي به من لا يفهمه؟!
وإذا أشكل عليه شيءٌ رجع لتفسيره بسؤال أهل العلم، أو بالرجوع إلى التفاسير المعتمدة؛ كتفسير ابن كثير، والبغوي، والسعدي، وغيرها.

الناشر: الشيخ: عبد الرحمن الدوسري

المصدر: شبكة الألوكة

مواد ذات صلة

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى