الذكر الحكيم

مع القرآن في رمضان

اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإن هذا القرآن العظيم هو الشفاء والهدى والربيع والبشرى والروح والنور، ارتبط هذا القرآن برمضان أكثر من غيره، ففيه أُنزل القرآن؛ قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: 185]، وقد وصف الله تعالى التالين له بوصف عظيمٍ، وهو أن تجارتهم مع القرآن لا تتطرق إليها خسارة، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر: 29].

ولعلي أيها الأخ الكريم أطرح على مسمعك المبارك وصايا أسال الله تعالى أن ينفعني وإياك والمسلمين بها، وتصل إلى عشرين وصية، وهي على النحو التالي:

الوصية الأولى: اعلَم أن صلاحنا وهدايتنا مرتبطة بالقرآن وبما دلَّ عليه القرآن، وشيء بهذه المكانة، يجب علينا أن نوليَه اهتمامنا البالغ وجهدنا الكبير قراءةً وعلمًا وعملًا وتعلمًا وتدبرًا؛ لأن هذه مقاصد عظيمة من إنزال القرآن الكريم.

الوصية الثانية: إن الإقبال على الله تعالى يكون بالأعمال والأقوال الصالحة، وإن من أعظمها وأفضلها هو قراءة القرآن، فكيف إذا كان ذلك في شهر رمضان، فهنيئًا لك أخي الكريم إقبالك واهتمامك وجهدك في تحصيل الخير في شهر الخير، فأكثِر من قراءة القرآن بقدرها؛ تُعطَ الجزاء الأوفى.

الوصية الثالثة: هل فكَّرتَ في وضع برنامج يناسبك في شهر رمضان مع قراءة القرآن؟ أرجو أن تكون كذلك، وأما القراءة حسب الصدفة والموافقة من غير برنامج، قد يكون ذلك سببًا في تضييع الكثير من الفرص العظيمة لديك، وأقترح عليك أن تربط قراءتك مثلًا بالأوقات الخمسة للصلوات، فكل وقت تجعل له مقدارًا معينًا من الصفحات، فعلى سبيل المثال، لو وضعت أربع صفحات مع كل وقت صلاة، لقرأتَ جزءًا في اليوم، وختمتَ ختمة في الشهر، ولو قرأتَ ثماني صفحات مع كل وقت صلاة، لقرأتَ جزأين كل يوم، وختمتين في الشهر، وهكذا كلما زدت أربعًا زدتَ جزءًا في اليوم وختمةً في الشهر، واعلَم أن في الختمة الواحدة ما يربو على ثلاثة ملايين حسنة، والله يُضاعف لمن يشاء، فاعمَل ما تستطيعه من القراءة لتحصيل تلك الأجور العظيمة.

الوصية الرابعة: بلغت الهممَ عند بعض الناس أن يختم في كل ثلاث ليال ختمة، وقد مضى على أحدهم أيامٌ كثيرة وهو يختم كل يوم ختمة، وهذه لا شك فتوحات يفتحها الله تعالى على من يشاء من عباده، فكن مبادرًا تريد ما يريده القوم من الفضل العظيم.

الوصية الخامسة: حاول أن تقرأ القرآن بالتدبر والتأمل؛ قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص: 29]، فإن ثقُل عليك الأمر فاجعَل بعض ختماتك تدبُّرية وتأمُّلية؛ لتحصل على كلا الحسنيين الأجر والتدبر، ومن الخطأ أن يُفهم أن التدبر يكون لدى العلماء وطلاب العلم فقط، بل إن آيات القرآن في مجملها واضحة نسبيًّا لكل قارئ، وكم هو جميل جدًّا أن تصحب معك ورقةً تسجل فيها ما يُشكل عليك، فتسأل عنه أهل العلم!

الوصية السادسة: من الممكن أن تجعل في بيتك ومع أولادك جلسة قرآنية خلال أيام رمضان، مدارسةً للآيات ومعانيها، ولو كانت قليلة، فالقليل مع القليل يكون كثيرًا.

 الوصية السابعة: حاوِل عند قراءتك أن تجمَع نيَّات عديدة؛ كنيَّة القراءة، ونية طلب العلم، ونيَّة التدبر، ونيَّة الاستشفاء بالقرآن، وغير ذلك، فافعَل هذا لتجتمع لك الأجور العظيمة المتنوعة بالعمل الواحد.

الوصية الثامنة: حاول ربْط أولادك بالقرآن تعلمًا وتعليمًا وتلاوةً، ومن صور ذلك: ضعْ لهم سؤالًا في كل يوم من أيام رمضان، ففي اليوم الأول ضعْ سؤالًا يكون جوابه في الجزء الأول من القرآن، واليوم الثاني سؤال جوابه في الجزء الثاني من القرآن، وهكذا، وقمْ بتكريمهم نهاية الشهر، فهذه طريقة ناجحة لربطهم بالقرآن.

الوصية العاشرة: يقول أحدهم: كنت خلال شهر رمضان بشكل يومي أطَّلع اطلاعًا عامًّا على تفسير ما سيَقرؤه الإمام في ذلك اليوم في صلاة التراويح، فلمستُ لذلك الأثر الكبير في ربط القلب مع القرآن أثناء الصلاة، ويُقترح لذلك كتاب (زبدة التفسير)، فهو مختصر ومفيد، ويقع في مجلد واحد يحتوي المصحف والتفسير.

الوصية الحادية عشرة: هل فكَّرت أن تبدأ في هذا الشهر المبارك مشروعًا عظيمًا لك، وهو البداية في حفظ القرآن؛ حيث يقول الله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17].

الوصية الثانية عشرة: كنْ من خلال قراءتك مصححًا لسلوكك العملي والقولي، فعند قراءتك مثلًا للنهي عن الغيبة تجنَّبها، وفي النهي عن الظلم ابتعِد عنه، وهكذا، فالقرآن الكريم نزل تشريعًا، ونزل لإصلاح قلوب العباد ونقاوتها.

الوصية الثالثة عشرة: شهر رمضان فرصةٌ لتصحيح التلاوة على مقرئ جيد لبيان الأخطاء واللحون وتصحيحها، فبالإمكان أن يكون هذا البرنامجُ خلال الشهر كاملًا بواقع جزءٍ في كل يوم.

الوصية الرابعة عشرة: عند عزمك على مشاريعك القرآنية في رمضان، سواء كانت في الحفظ أو التلاوة، أو التدبر أو غيرها، فلا بد من الصبر والتحمل، فهو مِفتاح لجميع هذه المشاريع، فمن فقَده؛ فقدْ فقَدَ شيئًا كثيرًا مما سبق!

وفَّقك الله لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

(اللجنة العلمية في مكتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في جنوب بريدة).

المصدر: شبكة الألوكة (بتصرف).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى