أحكام رمضانية

متى يفطر ساكنو الأبراج الشاهقة؟

السؤال:

إذا كان الإنسان يسكن في برج خليفة في دبي، والذي يصل ارتفاعه إلى 160 طابقًا، فهل يفطر على أذان المغرب في المدينة، أم ماذا يفعل؟

الجواب:

الحمد لله.

أولًا:

جعل الشرع لانتهاء الصوم علامةً واضحةً جليةً، وهي: غروب الشمس خلف الأفق.

فإذا غربت الشمس؛ فقد حل للصائم أن يفطر؛ لقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187].

وأول الليل يبدأ من غروب الشمس، كما سبق بيان هذا في جواب السؤال: (110407).

وقال النبي ﷺ: إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا يعني من جهة المشرق وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا يعني من جهة المغرب وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ؛ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ رواه البخاري (1954) ومسلم (1100).

قال النووي: “يَنْقَضِي الصَّوْمُ وَيَتِمُّ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ”. انتهى من “المجموع شرح المهذب” (6/ 304).

والمقصود بالغروب: سقوط كامل قرص الشمس، واختفاؤه، ولا عبرة بالحمرة الباقية في الأفق، فحيث غاب كامل القرص، فقد حل الفطر.

قال الحافظ ابن رجب: “هذا الحديث يدل على أن مجرد غيبوبة القرص يدخل به وقت صلاة المغرب، كما يفطر الصائم بذلك، وهذا إجماع من أهل العلم: حكاه ابن المنذر، وغيره.

قال أصحابنا، والشافعية، وغيرهم: ولا عبرة ببقاء الحمرة الشديدة في السماء بعد سقوط قرص الشمس، وغيبوبته عن الأبصار” انتهى من “فتح الباري” (4/352) بتصرف يسير.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “إذا غاب قرص الشمس: حينئذ يفطر الصائم، ويزول وقت النهي، ولا أثر لما يبقى في الأفق من الحمرة الشديدة في شيء من الأحكام”. انتهى من “شرح عمدة الفقه” (ص: 169).

ثانيًا: من المعلوم أن غياب الشمس يختلف من مكان لآخر، ومن بلدة لأخرى، وكذلك يختلف في المكان الواحد بالنسبة لمن هو في مكان منخفض، أو مكان مرتفع.

وبما أن الشرع قد علق ربط الفطر بغياب قرص الشمس، فلكل إنسان حكمه بحسب المكان الذي هو فيه لحظة الغروب، فلا يفطر حتى تغرب الشمس عن المكان الذي هو فيه، سواء غابت في مكان آخر، أم لا.

فمن كان يسكن الأبراج الشاهقة لا يفطر، وإن غابت الشمس عمن هم في مستوى الأرض: حتى تغيب عن الأفق بالنسبة لنظره هو.

قال فخر الدين الزيلعي: “رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الضَّرِيرَ الْفَقِيهَ صَاحِبَ الْمُخْتَصَرِ قَدِمَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة، فَسُئِلَ عَمَّنْ صَعِدَ عَلَى مَنَارَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَيَرَى الشَّمْسَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ بَعْدَمَا غَرَبَتْ عِنْدَهُمْ فِي الْبَلَدِ، أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؟

فَقَالَ: لَا، وَيَحِلُّ لِأَهْلِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مُخَاطَبٌ بِمَا عِنْدَهُ”. انتهى من “تبيين الحقائق” (1/321).

وقال ابن عابدين: “قَالَ فِي الْفَيْضِ: وَمَنْ كَانَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ كَمَنَارَةِ إسْكَنْدَرِيَّةَ: لَا يُفْطِرُ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ عِنْدَهُ، وَلِأَهْلِ الْبَلْدَةِ الْفِطْرُ إنْ غَرُبَتْ عِنْدَهُمْ قَبْلَهُ، وَكَذَا الْعِبْرَةُ فِي الطُّلُوعِ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْفَجْرِ، أَوْ السُّحُورِ” انتهى من “حاشية ابن عابدين” (2/420).

وقال محمد أنور شاه الكشميري: “في كُتُبِ الفِقْهِ: أن رجلين كان أحدهما عل رأس المَنَارة يرى الشمس، والآخر على سطح الأرض، وقد غَابَتْ عن نظره: أنه يَصِحُّ الإِفطار للثاني، دون الأول” انتهى من “فيض الباري” (3/355).

وفي “فتاوى اللجنة الدائمة” (10/ 297): “لكل صائم حكم المكان الذي هو فيه، سواءً كان على سطح الأرض، أم كان على طائرة في الجو” انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين: “الناس الذين على الجبال، أو في السهول، والعمارات الشاهقة، كل منهم له حكمه، فمن غابت عنه الشمس؛ حل له الفطر، ومن لا فلا”. انتهى من “الشرح الممتع” (6/ 398). وقال: “وإذا أذن المؤذن، وأنت في مكان مرتفع، وتشاهد الشمس؛ فلا تفطر”. انتهى من “اللقاء الشهري” (41/ 22) بترقيم الشاملة آليا.

وكذلك الحال في ركاب الطائرة لا يفطرون حتى تغرب الشمس بالنسبة لهم.

قال علماء اللجنة الدائمة: “إذا كان الصائم في الطائرة، واطلع بواسطة الساعة، والتليفون عن إفطار البلد القريبة منه، وهو يرى الشمس بسبب ارتفاع الطائرة: فليس له أن يفطر؛ لأن الله تعالى قال: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وهذه الغاية لم تتحقق في حقه ما دام يرى الشمس”. انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (10/ 137).

وسئل الشيخ ابن عثيمين: في شهر رمضان نكون على سفر، ونصوم خلال هذا السفر، فيدركنا الليل، ونحن في الجو، فهل نفطر حينما نرى اختفاء قرص الشمس من أمامنا، أم نفطر على توقيت أهل البلد الذين نمر فوقهم؟

فأجاب: “أفطر حين ترى الشمس قد غابت؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: إذا أقبل الليل من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم“. انتهى من “مجموع فتاوى، ورسائل العثيمين” (15/437). وينظر جواب السؤال: (106475).

والحاصل: أنه يتوجب على من يسكن في الأبراج العالية مراعاة فروق التوقيت في غياب الشمس بين سطح الأرض، والمكان الذي يكون فيه.

وقد بينت دائرة الإفتاء، والشؤون الإسلامية في دبي: أن سكان برج خليفة المكون من مائة وستين طابقًا مطالبون بتأخير الإفطار في شهر رمضان، وأن سكان الطوابق من ثمانين إلى مائة وخمسين مطالبون بالإفطار بعد دقيقتين من موعد أذان صلاة المغرب.

بينما سكان الطوابق من مائة وخمسين، وما فوقها يحل عليهم موعد أذان صلاتي المغرب، والعشاء متأخرًا بثلاث دقائق.

أما سكان الطوابق الأقل من الطابق الثمانين، فيفطرون وفق موعد أذان المغرب في المساجد.

والله أعلم.

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب.

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى