لعلكم تتقون
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فالتقوى من أهم ثمار الصيام، وأبرز نتائجه المرتجاة، وتحصيلها يُعتبر دليلاً واضحاً على أن المسلم استفاد من الصيام أكبر فائدة، وجاهد نفسه حق جهادها.
ولكن للأسف الشديد يغفل كثير من المسلمين عن هذه المسألة، وهم يؤدون هذه الشعيرة العظيمة، في هذا الشهر المبارك، ولو استشعر كل فرد القيمة الحقيقية للتقوى لتفيأت مجتمعاتنا ظلالاً وارفة، من آثارها، ولجنت ثماراً يانعة من إنتاجها، ونقف عند بعض النماذج الاجتماعية التي تضيع معها أسمى معاني التقوى، وتُفقد في أعمالها أهم ثمار الصيام.
فولي الأمر الذي يسمح لذويه ومن يلي أمرهم بالتجول في الفضائيات الخليعة، والمحطات المشبوهة، وهي تنفث سمومها خلال الشهر الكريم، وهو أمر مقصود من شياطين الجن والإنس؛ ليفسدوا على الناس صيامهم؛ مسؤول أمام الله تعالى عن التصرفات والممارسات التي تجري داخل منزله، ولا مدخل هنا للمقولات اللبرالية الفاسدة عن الحريات الفردية لأفراد الأسرة بمعزلٍ عن رب الأسرة وعميدها، فالإسلام يقرر صراحة أن الرجل في بيته راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، ولعل من هذه النقطة تنتشر شرور كثيرة في مجتمعاتنا الإسلامية لغياب الرقابة الأبوية، والمتابعة من أولى الأمر لذويهم، وأفراد أسرهم.
والمرأة أو الفتاة التي تتبرج، وتنشر الفتنة في مجتمعات المسلمين بالحركات، أو بالخضوع بالقول، أو فاضح الملابس؛ قطعاً لم تتحقق بالتقوى، وإن صلت وصامت مثل بقية المسلمين في الظاهر، ولو تفكرت قليلاً في حالها لراعتها العاقبة الوخيمة التي تنحدر إليها، والعقاب الذي ينتظرها إن لم تتدارك أمرها بتوبة نصوح، وشهر رمضان أفضل الفرص لبداية التوبة النصوح.
والمجالس التي تكثر فيها الغيبة والنميمة مما يسمّيه بعض الجهلاء بفاكهة المجالس، يكون أفرادها على خطر عظيم من هذا الداء الذي يتفشى في حياتنا الاجتماعية كالوباء، ناشراً القطيعة والتدابر والتباغض جرّاء ما يقترفه الناس في مثل هذه المجالس.
وبالجملة -حتى لا نسترسل- فالنماذج كثيرة، فإن معظم حياتنا الاجتماعية تعاني من أمراض فتاكة، وعلل قاتلة، نتيجة غفلة الناس عن معاني التقوى التي جعلها الله تعالى من ثمار صيام هذا الشهر الكريم، وفي رمضان تتجدد الفرص، وتتعدد السوانح التي يجب أن نغتنمها لمزيد من الحياة الطيبة التي وعدها الله تعالى عباده المؤمنين في الدارين.
وبالمقابل لا نغفل عن المحسنين والمشمرين في هذا الشهر الكريم، الذين يحيون ليلهم ونهارهم بذكر الله تعالى، ويعطرون ليالي رمضان بالقيام إيماناً واحتساباً، ويبذلون من أموالهم للمسلمين في مختلف وجوه البر، ويداومون على ذلك معظم أيام عامهم، أولئك هم المستفيدون حقاً من الشهر الكريم، فطوبى لهم.
ونسأل الله تعالى أن يبلّغ المسلمين الدرجات العلى في الدارين.
الناشر: حسن عبد الحميد
المصدر: موقع المختار الإسلامي