أحكام رمضانية

هل ثواب القضاء للحائض والمعذور مثل ثواب الصوم في رمضان؟

السؤال:

خمسة عشر يومًا من رمضان مجموع أيام الدورة، جاءت دورتي الشهرية وذهبتْ ثلاث مراتٍ ولم أستطع الصيام، فَقَدْتُ كلَّ الحماس، وعندما تمكنتُ أخيرًا من الصيام لم أستطع أن أُصلي التراويح؛ لأن لدي مولودًا جديدًا وطفلًا يبلغ من العمر عامًا واحدًا، وأقوم برعايتهما ليلًا، وكان عليَّ أن أنام حتى أستيقظ معهما، وأرتاح جيدًا لأعتني بهما؛ لأنهما يستيقظان باكرًا أيضًا.

أشعر كما لو أنني لم أفعل ما يكفي من الأعمال الصالحة مثل أي شخصٍ آخر.

عندما أقضي يوم الصيام، هل الأجر والحسنات التي أحصل عليها تُحسب كما لو كان رمضان؟

انصحني بشأن أُمومتي، وكيفية القيام بالأعمال الصالحة عندما أتحمل مسؤولية منزلي وأطفالي.

الجواب:

الحمد لله.

أولًا: مَن أفطر في رمضان لعذرٍ ثم قضاه؛ فإن له مثل ثواب الصوم في رمضان إن شاء الله.

والدليل على ذلك: حديث أبي موسى رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثلُ ما كان يعمل مُقِيمًا صحيحًا[1].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “فتح الباري”: “وهو في حقِّ مَن كان يعمل طاعةً فمُنِعَ منها، وكانت نِيَّته لولا المانع أنْ يدوم عليها، كما ورد ذلك صريحًا عند أبي داود من طريق العَوَّام بن حَوْشَب بهذا الإسناد في رواية هُشَيْمٍ، وعنده في آخره: «كصالح ما كان يعمل وهو صحيحٌ مُقِيمٌ»[2].

ووقع أيضًا في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: إن العبد إذا كان على طريقةٍ حسنةٍ من العبادة ثم مَرِضَ؛ قيل للمَلَكِ المُوَكَّل به: اكْتُبْ له مثل عمله إذا كان طَلِيقًا حتى أُطْلِقَه أو أَكْفِتَه إلىَّ أخرجه عبدالرزاق وأحمد، وصححه الحاكم.

ولأحمد من حديث أنسٍ -رفعه-: إذا ابتَلَى اللهُ العبدَ المسلمَ ببلاءٍ في جسده قال الله: اكْتُبْ له صالح عمله الذي كان يعمله. فإنْ شفاه غسله وطَهَّرَه، وإنْ قَبَضَه غَفَرَ له ورَحِمَه[3].

ولرواية إبراهيم السَّكْسَكِي عن أبي بُرْدَة مُتَابِعٌ، أخرجه الطبراني من طريق سعيد بن أبي بُرْدَة، عن أبيه، عن جده بلفظ: إن الله يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صِحَّته ما دام في وَثَاقه الحديث[4].

وفي حديث عائشة عند النَّسائي: ما من امرئٍ تكون له صلاةٌ من الليل يَغْلِبه عليها نومٌ أو وَجَعٌ إلا كُتِبَ له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقةً[5]“. انتهى[6].

فإذا كان هذا فيمَن ترك العمل لعذرٍ ولم يأتِ به؛ لأنه لم يُؤمر بقضائه: كالقيام، والتلاوة؛ فأولى أن يأخذ الأجر مَن أتى بالعمل بعد زوال العذر: كقضاء الحائض الصوم.

ولهذا؛ قال بعض أهل العلم: إن الحائض يجري عليها أجر الصلاة أثناء حيضها.

سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله: قال بعض فقهاء الشافعية: إن الحائض يجري عليها أجر الصلاة في زمن عادتها؛ لعموم حديث أبي موسى: «إذا مَرِضَ العبد أو سافر…»؟

فأجاب: “ما هو بعيدٌ، ظاهر الأدلة على ذلك، إذا علم الله من قلبها أنها لولا الحيض لَصَلَّتْ؛ لها أجر المُصَلِّين؛ مثل: إذا مَرِضَ العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله وهو صحيحٌ مُقيمٌ، ومثل قوله في الصحابة الذين تخلَّفوا يوم تبوك: ما سلكتُم واديًا ولا قطعتم شِعْبًا إلا وهم معكم[7]، وفي اللفظ الآخر: «إلا شركوكم في الأجر؛ حبسهم العذر»[8].

فإذا علم الله من قلب الحائض والنُّفَساء أنه ما منعها إلا هذا؛ فيُرجى لها الأجر الكامل”. انتهى[9].

وسُئل رحمه الله: هل المُفطر في رمضان لعذرٍ شرعيٍّ -ككِبَر السن مثلًا- ويقوم بالإطعام، هل له مثل أجر الصائم؟

فأجاب: “يُرجى له ذلك؛ لأنه معذورٌ شرعًا، والمعذور له حكم الصائم؛ يقول النبي ﷺ: إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثل ما كان يعمل مُقيمًا صحيحًا، فالكبير في السنِّ الذي عجز عن الصيام له حكم الصائمين؛ لأنه معذورٌ؛ إذ لولا العجز لصام، فهو معذورٌ، وعليه إطعام مسكينٍ عن كل يومٍ إذا كان يستطيع ذلك. أما إن كان عاجزًا لا يستطيع فإنه لا شيء عليه: لا صوم عليه ولا إطعام عليه؛ لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]”. انتهى[10].

ثانيًا: على المرأة الصالحة أن تُوفق بين قيامها بمهام البيت والأسرة، وبين عبادتها: من صلاةٍ، وصومٍ، وذكرٍ، وتعلمٍ للعلم الشرعي، وغير ذلك، وهذا يكون بتنظيم الوقت، وإلزام النفس.

ومن الأمور المُعينة لكِ على ذلك:

  1. الانضمام إلى برامج جماعيةٍ: كحلقات التحفيظ، والالتحاق بالبرامج العلمية.
  2. مُخالطة الصالحات في المسجد والمركز الإسلامي ونحوه.
  3. وربما بذل الإنسان من ماله؛ ليتفرغ لعبادة ربه، فيأتي بمَن يقوم على رعاية الأولاد، أو تجهيز المنزل.
  4. ومن الوسائل العظيمة المُعينة على ذلك: الإتيان بهذا الذكر قبل النوم، روى البخاري ومسلمٌ عن عليٍّ رضي الله عنه: أن فاطمة رضي الله عنها أَتَتِ النبيَّ ﷺ تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرَّحَى، وبلغها أنه جاءه رقيقٌ، فلم تُصادِفْه، فذكرتْ ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرتْه عائشةُ، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدتُ بَرْدَ قدميه على بطني، فقال: ألا أَدُلُّكما على خيرٍ مما سألتُما؟ إذا أخذتُما مضاجعكما -أو أَوَيْتُما إلى فراشكما- فسَبِّحَا ثلاثًا وثلاثين، واحْمَدَا ثلاثًا وثلاثين، وكَبِّرَا أربعًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادمٍ[11].

فاستعيني بالله تعالى، ونَظِّمي وقتكِ، واحرصي على الصُّحبة الصالحة، والاشتراك في البرامج العلمية والدعوية.

والله أعلم.

المصدر: الإسلام سؤالٌ وجوابٌ.

  1. رواه البخاري (2996).
  2. رواه أبو داود (3091)، وحسنه الألباني.
  3. رواه أحمد (12503)، وحسنه الألباني في “صحيح الجامع” (258).
  4. رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (8609)، وضعفه الألباني في “ضعيف الجامع” (1755).
  5. رواه مالك (1)، وأحمد (24341)، وأبو داود (1314)، والنسائي (1784)، وصححه الألباني في “صحيح الجامع” (5691)، وكلهم لم يُوردوا لفظ: «أو وجعٌ».
  6. “فتح الباري” (6/ 136-137).
  7. رواه البخاري (4423) بلفظ: «إن بالمدينة أقوامًا، ما سِرْتُم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم»، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟! قال: «وهم بالمدينة؛ حبسهم العذر».
  8. رواه مسلم (1911).
  9. من موقع الشيخ ابن باز.
  10. “فتاوى نور على الدرب” (16/ 104).
  11. رواه البخاري (5361)، ومسلم (2727).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى