هل تغيرت؟
إخوة الإيمان: ها نحن نودع ضيفًا مباركًا، عزيزًا على نفوسنا، غاليًا على قلوبنا؛ نودعه بنفس ما استقبلناه، بل نزيد على ذلك أننا نودعه وعيوننا تذرف دمعًا على فراقه، وقلوبنا تتقطع ألمًا على انصرافه، ونفوسنا تعتذر عن تقصيرها في حقه.
أخي في الله: وإن كنا نودّع رمضان فإن المؤمن لن يودّع الطاعة والعبادة، بل سيوثِّق العهد مع ربه، ويقوِّي الصلة مع خالقه؛ ليبقى نبع الخير متدفقًا، أما أولئك الذين ينقضون عهد الله، ويهجرون مساجده تزامنًا مع مدفع العيد؛ فبئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، وبئس الصنيع صنيع من ارتدوا على أدبارهم، ونكصوا على أعقابهم قال – تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبّ ٱلْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162، 163].
يقول ابن القيم – رحمه الله -: "فبين العمل والقلب مسافة، وفي تلك المسافة قُطَّاعٌ تمنع وصول العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثير العمل، وما وصل منه إلى قلبه محبّة، ولا خوف، ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا، ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرِّق به بين أولياء الله، وأعدائه، فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه لاستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل". [مدارج السالكين:1/ 439].
إخوة الإيمان: لقد غرس رمضان في نفوسنا خيرًا عظيمًا، فصقل القلوب، وأيقظ الضمائر، وطهّر النفوس، ومن استفاد من رمضان فإن حاله بعد رمضان خير له من حاله قبله، ومن علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها، ومن علامات بطلان العمل وردّه العودة إلى المعاصي بعد الطاعات.
فلنجعل – أيها الكرام – من نسمات رمضان المشرقة مفتاح خير سائر العام، ومنهج حياة في كل الأحوال، ولنحرص على بر الوالدين، وصلة الجيران، وزيارة الإخوان، ونصرة المظلومين، والتلذذ بالمسح على رأس اليتيم، وإصلاح ذات البين، وإطعام المحرومين، وجبر نفوس المنكسرين، والمساهمة في زرع السعادة على شفاه المصابين، والمبتلين، وصلة الرحم، وحفظ عرض إخواننا، ولنكن نبعًا متدفقًا بالخير كما كنا في رمضان.
لقد تراصَّت الصفوف في رمضان كالجسد الواحد، فلا ينبغي أن تتناثر بعد رمضان، لقد سكبت العيون الدموع في رمضان، فالحذر أن يصيبها القحط والجفاف بعد رمضان، لقد اهتزت جنبات المساجد، ولهجت الألسن بالتهليل والتحميد، والدعاء، فليدم هذا الجلال، والجمال بعد رمضان، لقد علا محيا الناس في رمضان سمت الصالحين، ذلٌّ وخضوع، وإخباتٌ، وسكينة، ووقارٌ، وخشية، فلا نمحه بعد رمضان بأخلاق الزهو، والكبر، والبطر، والسفه، لقد امتدت الأيدي في رمضان بالعطاء، وأنفقت بسخاء، فلا نقبضها بعد رمضان.
علينا جميعًا أن نجعل كل شهور السنة رمضان، طاعة للملك الديان، وبعدًا عن المعاصي والآثام، وهذه هي التقوى التي فرض الله لأجلها صوم رمضان: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، ومن تحقيق التقوى الاستمرار على الطاعة، والبعد عن المعصية، وأن يكون المرء في غده أفضل من أمسه، وكل يوم يزداد من الله قربة، حتى يتوفاه الله وهو عنه راض.
الناشر: أسرة تحرير “رمضانيات”
المصدر: موقع رمضانيات