هيا بنـا نؤمن ساعة

نعمة الإيمان

محمد الخولي

إنّ نعمة الإيمان بالله سبحانه هي جنة الدنيا، وطوق النجاة الذي يحتمي به العبد أمام أمواج الشهوات والشبهات والفتن العاتية، وهو دواء القلوب الذي متى غفل عنه الإنسان لهثًا وراء حطام الدنيا الفانية؛ ضاق عيشُه، ومرض قلبُه؛ وإنك لَترى كثرة الشكاوى والهموم والغموم والقلق والاضطراب في دنيا الناس، فترى فيه آثارًا للابتعاد عن الإيمان بالله -عز وجل- والإعراض عن دينه وشرعه؛ فقد قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا [طه: 124].

يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله- في قوله تعالى: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي [طه: 124] أي: خالَف أمري، وما أنزلتُه على رسولي، أعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا أي في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيّق حرج لضلاله، وإنْ تنعَّم ظاهره، ولَبِسَ ما شاء وأكَل ما شاء، وسكَن حيث شاء، فإنّ قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشكّ”[1].

والإنسان في حاجة ماسّة إلى غذاء روحه، ودواء قلبه، في كلِّ وقت وحين، وتتأكّد هذه الحاجة مع طغيان الجوانب المادية على الجوانب الروحية، وذلك لا يكون إلا بتحقيق الإيمان، ومن هنا كان تحقيق الإيمان هو الحلّ الأكيد لإنقاذ البشرية من طريق الشقاء، والاضطراب والتيه والحيرة والخوف والحزن إلى طريق السعادة والهداية والطمأنينة والأمن.

يقول الدكتور مجدي الهلالي: “ستظلّ نقطة البداية للخروج من هذا التيه هي: الإيمان، الإيمان أوّلًا، وكلما زاد الإيمان في القلب؛ تحسّنَت أحواله، وانتقل من المرض إلى الصحة، وانعكس ذلك على علاقته بربه، وازداد تعلّقه به، ومن ثمَّ اقترب من تحقيق الحنيفيّة ومعها الأمن والطمأنينة، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام: 82]”[2].

وتحقيق الإيمان وتعلُّمه من أوجب الواجبات على المكلَّف، فقد قال اللهُ تعالى لرسوله ﷺ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19].

يقول الشيخ السعدي -رحمه الله- مبيّنًا معنى العلم المراد في الآية وكيفية تحصيله: “العلم الذي أمر اللهُ به -وهو العلم بتوحيد الله- فرضُ عينٍ على كلّ إنسان، لا يسقط عن أحد كائنًا مَن كان، بل كلٌّ مضطر إلى ذلك، والطريق إلى العلم بأنه لا إله إلا هو أمور:

أحدها، بل أعظمها: تدبّر أسمائه وصفاته وأفعاله الدالّة على كماله وعظمته وجلالته؛ فإنها توجِبُ بذل الجهد في التألُّه له، والتعبُّد للربّ الكامل الذي له كلّ حمْدٍ ومجْدٍ وجلالٍ وجمالٍ.

الثاني: العلم بأنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير، فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية.

الثالث: العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، فإن ذلك يوجب تعلّق القلب به ومحبته، والتألّه له وحده لا شريك له…”[3].

فمَن حقّق هذه الغاية؛ كان حقًّا على الله أن يسعده في الدنيا والآخرة، ومن لم يحقّق هذه الغاية؛ فلا قيمة له عند الله سبحانه، قال تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان: 77]، قال ابن عباس: “لولا دعاؤكم: لولا إيمانكم”[4].

المصدر: مركز تفسير للدراسات القرآنية.

  1. تفسير ابن كثير (5/ 323). 
  2. الإيمان أولًا، لمجدي الهلالي (ص: 4).
  3. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي (ص: 787).
  4. تفسير ابن كثير (6/ 134).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى