مما يجب علينا نحو القرآن:
أولًا: تعظيمه في نفوسنا وفي نفوس أبنائنا، قال عز وجل: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21].
للأسف إن من المسلمين والمسلمات من يستمتع بالأغاني وسماع المعازف، أكثر من استمتاعه بتلاوة وسماع القرآن، فأين الحب؟ وأين التعظيم؟ نسأل الله السلامة.
قال ابن القيم -رحمه الله-: “إذا أردت أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله، فانظر محبة القرآن من قلبك”[1].
ثانيًا: تعلُمُ تلاوته وتعلم معانيه وتفسيره، وأحكامه، وما فيه من العلم النافع، وتشجيع أبنائنا، وحثهم على حفظه وتعلمه، والسعي في تعليمه للآخرين، واعلم -وفقك الله- أنك إذا علَّمت أو شجعت، أو ودعوت إلى تعلم القرآن، فسيكون لك مثل أجر كل من علمته، أو تعلم بسببك، ويجري لك مثل أجوره كلما تلا وقرأ، وكذلك من سيعلمهم هو من الأجيال إلى ما شاء الله… فيا لها من صفقة عظيمة، فإن الدال على الخير كفاعله، هذا بمجرد الدلالة على الخير، فكيف بمن يعين عليه، ويبذل جهده لأجله.
فابدأ بنفسك أخي الكريم بتعلم القرآن، واجتهد في حفظه بقدر استطاعتك، ولو كنت كبيرًا في السن فلا تيأس، فإن من الناس من حفظوا القرآن في عمر متأخر، اقرأ كل يوم مقدارًا ولو يسيرًا منه ومع الأيام ستجد أنك قد حفظته، أو حفظت بعضه، والله تعالى يقول: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17].
وفي الحديث: خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه[2].
فكن من خير الناس، واظفر بهذا الفضل العظيم، وغيره من الفضائل.
اقرأ ورتِّل وتعلَّم وعلِّم وأبشر، وتذكَّر قول ﷺ: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران»[3] كما قال الحبيب ﷺ.
ثالثًا: كثرة تلاوته، فإن تلاوته من أعظم وأيسر الطرق إلى ملء رصيدك من الحسنات، كما في الحديث عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: “قال رسول الله ﷺ: من قرأ حرفًا من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف“[4].
قراءتك للقرآن تجعلك تحظى بشفاعته يوم القيامة؛ قال رسول الله ﷺ: اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ[5].
رابعًا: تدبُّر آياته والتأمل في معانيه ومدلولاته، والتفكر فيه، وأن تستشعر أنه يخاطبك فتخاطب نفسك به؛ قال عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 29].
خامسًا: العمل بما جاء فيه: فإذا وجدت أمره امتثلت لأمره، وإذا وجدت نهيه انتهيت، ولسان حالك ومقالك: سمعنا وأطعنا، تُحكّمه في كل أمورك، وتجعله دستورك في جميع حياتك.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “كنا نحفظ العشر آيات فلا ننتقل إلى ما بعدها حتى نعمل بهنَّ”.
وعن أبي عبدالرحمن السلمي قال: “حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله ﷺ أنهم كانوا يأخذون من رسول الله ﷺ عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل قال: فتعلمنا العلم والعمل”[6].
أيها الأخ الكريم
اسأل نفسك: كم تعطي القرآن من وقتك في كل يوم من أربع وعشرين ساعة تمر عليك؟ أما يستحق كلام الله أن تعطيه من أعز وقتك، أصبح الكثير منا يقرأ ويتصفح رسائل المخلوقين في جواله عدة مرات في اليوم الواحد، وربما يمر عليه اليوم وأكثر ولا يخطر بباله أن يقرأ كتاب رب العالمين وكلام خالقه؟
للأسف، إن من المسلمين من لا يعطي القرآن إلا وقت فراغه، حينما لا يجد ما يشغله، ومن الناس من يبخل على القرآن بوقت فراغه، فلا يقرأ ولا يتلو كتاب ربه إلا مرة في الأسبوع، والبعض أقل من ذلك، فمن المسلمين من لا يقرؤه إلا في رمضان، وهذا والله حرمان كبير، وخسارة فادحة، وقليل من يتعلمه.
كم منا معشر المسلمين من لا يجيد قراءته؟ والبعض لا يفكر في تعلُّمه أصلًا، والأشد خطرًا حين يخطئ في قراءة سورة الفاتحة، والعلماء يقولون: لو أخطأ المصلي في الفاتحة خطأ يغير المعنى، فإن صلاته باطلة؛ لأن قراءتها ركن من أركان الصلاة، وأما التدبر فقليل من يتدبره.
نسأل الله السلامة، وأن يتجاوز عن تقصيرنا، ويردنا إليه ردًّا جميلًا، ويملأ قلوبنا بحب كتابه، وتعظيمه، والتعلق به.
فلنحذر أيها الأحبة من هجر القرآن؛ قال تعالى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان: 30].
هجر القرآن أنواع؛ قال ابن القيم -رحمه الله-:
“أحدها: هجر سماعه والإيمان به.
والثاني: هجر العمل به وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه.
والرابع: هجر تدبُّره وتفهُّم معانيه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب”[7].
فاحذر يا عبدالله أن تهجر القرآن مهما كانت الظروف، اجعل لك وردًا يوميًّا لا تتركه، وجاهد نفسك، فإن الوقت يمضي ولا تشغلك الدنيا فإنها زائلة.
المصدر: شبكة الألوكة.
- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء، لابن القيم (ص: 235).
- رواه البخاري: 5027.
- رواه مسلم: 798.
- رواه الترمذي: 2910، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 2137.
- رواه مسلم: 804.
- الدر المنثور، للسيوطي (3 / 295).
- الفوائد، لابن القيم (ص: 82).