هيا بنـا نؤمن ساعة

لِمِثْل هذا فليعمل العاملون

مكتب الدعوة والإرشاد بالسلي

انظر لحال الموتى، وتأمل حالهم ومآلهم، فوالله إنه سيأتيك يوم مثل يومهم، وسيمر عليك ما مرّ بهم، ألَا فاعتبر واستعد، ولا تغفل ولا تنسَ مصيرك ومآلك، فهل تصورت نفسك وأنت مكان هذا المدفون! والله إنها نعمة كبيرة أن أعطاك الله العبرة من غيرك، ولم يعطِ غيرك العبرة منك، فأعطاك الفرصة أن تحاسب نفسك وتستعد لذلك المصرع، فهلَّا استفدت من هذه الفرصة ما دام في الوقت مهلة؟! لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ [الصافات:61].

وجاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: إذا وُضعت الجنازة، واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صُعق[1]. فتخيل نفسك يا عبدالله وأنت محمول على الأعناق، على أي الحالتين تحب أن تكون!

وقال ﷺ: والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله[2]؛ وهذا الكلام موجه للصحابة -رضي الله عنهم-، فكيف بك أنت أيها الغافل اللاهي، تلهو وتلعب، وتغني وتعصي الله صباحًا ومساءً كأنْ لا وجود لموتٍ ولا قبرٍ ولا حشرٍ ولا نشرٍ، فما أقسى والله قلبك! وما أقل عقلك! فتنبه لذلك أيها المسكين إن كنت تعقل وتفهم!

وجاء في الأثر: أن الإنسان إذا وُضع في قبره وكان فاجرًا عاصيًا؛ تقول له الأرض: “والله إن كنتَ لمِن أبغض الناس إليَّ وأنت تمشي على ظهري، فجئتَ اليوم في بطني، فسترى ماذا أصنع بك من غيظي”؛ فتخيل يا عبدالله وأنت في هذا القبر الموحِش المظلِم يقال لك مثل هذا الكلام! فحينئذٍ لا ينفعك ندم ولا صياح ولا بكاء ولا أنين!

وجاء في الحديث أيضًا: أن الميت إذا وُضع في قبره جاءه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فإن كان ممن مات على الذنوب والمعاصي لم يوفق للإجابة، فحينئذٍ يُضيَّق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه، ويُضرب بمرزبة من حديد لو ضُرب بها جبل لهدَّتْه، وتُفتح له نافذة إلى النار، ويرى مقعده فيها، ويأتيه من حَرِّها وسمومها، ويبقى هو في قبره في عذاب على حسب عمله. وإن كان الميت ممن أطاع الله وعمل صالحًا؛ فإن الله يثبته ويوفقه للإجابة، ويوسع له في قبره، وينور له فيه، ويرى مقعده من الجنة، ويفرش له في قبره خضرًا إلى يوم القيامة.

فيا عبدالله، أي المقعدين تريد؟

وأيهما أهون عليك؛ طاعة الله أم تلك الأهوال التي أمامك؟!

والله إن طاعة الله أهون عليك بكثير مما أمامك، فما الذي يمنعك من ذلك، وماذا تنتظر؟!

أخي الحبيب: هل تذكرت لحظة الفراق عندما تُلقي آخر النظرات على هذه الدنيا، وتستقبل الآخرة بما فيها من الأهوال والصعاب، هل تريد أن تنتقل إلى سموم وحميم وتصلية جحيم؟! فاعمل من الآن عملًا ينجيك -بإذن الله- مما أمامك من أهوال -ما دام في الوقت مهلة، وما دمت تستطيع ذلك-؛ لتخرج من هذه الدنيا مرتاحًا فرحًا مسرورًا بلقاء ربك وبما أعده لك من النعيم المقيم.

ولدتك أمك يا ابن آدم باكيًاوالناس حولك يضحكون سرورًا
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوافي يوم موتك ضاحكًا مسرورًا[3]

المصدر: موقع كلمات.

  1. رواه البخاري (1314).
  2. رواه الترمذي في سننه (2312)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2449).
  3. التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي (ص: 307).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى