عن جُبير بن مُطْعِمٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور:35- 37] كاد قلبي أن يطير[1].
عجيبٌ هذا القرآن، تأمَّل ماذا فعل بالجنِّ عند سماعه؟
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن:1- 2].
ويُصوِّر القرآن حالهم عند سماعهم لتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا [الجن:19]، هذا هو تأثير القرآن، وهذه جاذبيته، وهذه سطوته على الجنِّ، فكيف بسطوته على قلوب البشر؟!
لذا فهم يخافون منه، لماذا يخافون منه؟
لأنه يتسلل إلى قلوب قساوسة النصارى ورهبانهم؛ فانقادوا له، فما بالك بغيرهم؟!
وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة:83].
يا الله!
يسمعونه فتخشع قلوبهم وترقّ، وتدمع عيونُهم من شدة التَّأثر به، إنه يقودهم إلى الإيمان والهدى؛ ولذلك حقٌّ للأعداء أن يخافوا منه.
ماذا فعل القرآن في نجاشي الحبشة لما قرأ جعفر بن أبي طالبٍ رضي الله عنه مطلع سورة مريم؟
بكى -والله- النَّجاشي حتى أَخْضَلَ لحيتَه، وبكتْ أساقفته حتى أَخْضَلُوا مصاحِفَهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النَّجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاةٍ واحدةٍ[2].
عباد الله، لماذا يخافون من القرآن؟
لأنه يُحبط كل مُخططاتهم لحرب إسلامنا والسعي لتدميره، بل يغزو الكفر وأهله في عُقْر داره، ولو خُلِّيَ بينه وبين الناس لاقتادهم إليه طائعين، مُذْعِنين في حبٍّ ورغبةٍ؛ لذلك فهم يخافون منه.
لقد أدرك أعداء الدين منذ نزول القرآن إلى يومنا هذا ذلك الأثر الذي يُحدثه القرآن في القلوب؛ فبالغوا في حربه والحيلولة بينه وبين الناس، وصدق الله: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26].
إنهم يخافون من القرآن، ويُدركون أثره في إحباط كل مُخططاتهم؛ ولذلك نَوَّعُوا أساليب حربه: فَمَرَّةً بالزعم أنه مُتناقضٌ، وأنه كذبٌ مُفْتَرَى، ومرةً بتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ووصفهم له بالإرهاب، وتوظيف الآلة الإعلامية لذلك باستغلال الأخطاء التي يقع فيها بعض المسلمين، ومرةً بالتَّحريض على امتهان القرآن وحرقه وتمزيقه؛ لإذكاء الكراهية له في قلوب الناس، ومرةً من خلال تسويق السلوك الغربي المُنحرف، وإغراق المجتمع الإسلامي بالثقافة الغربية، وإشغالهم باللهو والغفلة والانحلال والمُجون؛ لإبعادهم عن القرآن، وإشغالهم عنه.
ومع كل هذا الحقد الدَّفين هاهو القرآن يغزو الغرب النصراني في عُقر داره، ويقتاد القلوب إلى الله، فالكثير منهم يدخل في الإسلام بمجرد سماع القرآن.
عباد الله، متى نعود إلى كتاب ربِّنا جلَّ وعلا وسُنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لنسعد في الدنيا وننال المجد والعِزَّة والسُّؤْدد؟
كيف حالنا مع القرآن؟ هل أقبلنا على تلاوته؟ هل رَبَّيْنَا أنفسنا وأهلينا عليه؟
إن مهمة أهل الإسلام أن يعودوا إلى كتاب ربِّهم؛ إلى حفظه، وإلى سماعه، وإلى تدبُّره، وإلى العمل به، وإلى معرفة هدي نبيِّهم صلى الله عليه وسلم والتَّأسِّي به، وعندها ستفرح بهم الدنيا، كل الدنيا.
إن من أعظم الأدوار التي ينبغي أن نُوليها اهتمامنا: أن نُربِّي الأجيال منذ نعومة الأظفار على كتاب الله؛ على محبَّته، وتدبُّره، والعمل به.
إنَّ مهمة أهل الإسلام أن يُبَشِّروا الدنيا -كل الدنيا- بالقرآن، مُهمتهم أن يَسْتَفْرِغُوا جهودَهم وطاقاتهم لدلالة القلوب المُتعطِّشة إلى النَّجاة من الضَّنْك والشَّقاء على القرآن الذي لا نجاة لهم من بُؤْسِهم إلا به، فهل يَعِي أهل الإسلام مُهمتهم والدور المُناط بهم؟
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا.
المصدر: موقع طريق الإسلام.
- رواه البخاري (4854).
- رواه أحمد (1740)، وقال مُحقق “المسند”: إسناده حسنٌ.