هيا بنـا نؤمن ساعة

لا تحزن إن الله معنا

محمد بن عبدالرحمن العريفي

منذ فترة لم أره ضاحكًا، نعم يتبسم أحيانًا، لكن الحزن والكآبة أبدًا ظاهران على مُحَيَّاه، يُكثِر السؤال عن أحوال المسلمين، يتتبع أخبار الاضطهاد والقتل والتشريد. قال لي يومًا:

– أحمد، أوَ لسنا على الحق وأعداؤنا على الباطل؟ قلت: بلى!

– أوَ لسنا في صف الرحمن وهم في صف الشيطان؟ قلت: بلى!

– أوَ لسنا ندعو إلى الفضيلة وهم يدعون إلى الرذيلة؟ أولسنا مسالمين لا نعتدي ولا نظلم وهم السفاحون الخونة؟ قلت: بلى! بلى!

– فلماذا لا ينصرنا الله عليهم؟! لماذا نبقى في اضطهاد وتشريد؟! أكاد أُجَن! بل لو جاز قتل النفس لفعلت! ما نفيق من ألمِ صفعةٍ إلا تتبعها أخرى؛ من الاعتداء على أفغانستان، إلى مذابح كشمير، وهدم المساجد في الهند، وآلام وويلات في بلاد الإسلام، حتى بلغنا من الذل أن ذُبِحنا ذبح الشياه في البوسنة والهرسك، ثم في كوسوفا! ولا ندري أين يكون الجرح القادم؟

أطفال يتامى! نساء أرامل! فتيات يحملنَ في أحشائهنَّ أبناءَ المعتدين، حتى إنهنَّ لم يستطعنَ الحصول على حبوب منع الحمل!

إلى متى يستمر حال الأمة هكذا؟! صار المسلم الآن لا ينتظر إذا أصبح إلا خبرًا مُبكِيًا أو موتًا مُنسِيًا! لا حول ولا قوة إلا بالله!

ثم بكى! بل اشتد بكاؤه وهو ينظر إليَّ، ينتظر أن أشاركه النياحة!

أدخلتُ يدي في جيبي وناولتُه منديلًا يمسح به بقية همه وغمه، ثم قلت له:

– خالد، لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا [التوبة:40] إن نصر الله قريب، إي والله إنه قريب، وما يصيب أمة الإسلام الآن إلا آلامُ ما قبل الولادة. نعم، ولادة النصر والتمكين لهذا الدين.

والدين منصور وممتحن فلاتعجب فهذي سنة الرحمن[1]

واستمع إلى هذه البشائر:

قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ۝ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۝ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ۝ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173]، وقال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:155].

فهذه كلها وعود جازمة بالنصر والتمكين، وَعَدَنا بها مَن بيده مُلك السماوات والأرض، وَعَدَنا بها مَن قلوب العباد وعقولهم ونواصيهم وقواتهم وأسلحتهم وتخطيطاتهم بيده وحده لا شريك له؛ فهل تنكر من ذلك شيئًا؟

ثم لا تنبهـر عينك من كثرة الكافرين، وتألبهم على المسلمين، ولا تخشَ من أسلحتهم وتطورهم وظهورهم؛ فإن كيدهم -مهما عَظُم- ضعيف: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا ۝ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:15-17]. نعم، أمهلهم رويدًا؛ وقد يكون هذا الرويد سنةً أو سنتين أو عشرًا أو عشرين أو ألفًا، لكنه رويد مهما طال، وهم مع اجتماعهم واتفاقهم على حربنا، إلا أنهم والله يوشكون أن يختلفوا ويقتتلوا، ويكفي اللهُ المؤمنين القتالَ، تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14].

واستمع إلى هذه البشائر:

عن تميم الداري -رضي الله عنه- قال: “سمعت رسول الله ﷺ يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخله اللهُ هذا الدين، بِعِزِّ عزيزٍ، أو بِذُلِّ ذليلٍ، عزًّا يعز اللهُ به الإسلام، وذلًّا يذل اللهُ به الشرك[2].

وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، تكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكًا عاضًّا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكًا جبريًّا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة[3].

وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك[4].

وعن أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: بَشِّر هذه الأمة بالسناء والنصر والتمكين، ومَن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب[5].

المصدر: دار القاسم

  1. مجموعة القصائد الزهديات، للسلمان (1/ 353).
  2. رواه أحمد في مسنده (16956)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2).
  3. رواه أحمد في مسنده (18406)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (5378).
  4. رواه مسلم (1920).
  5. رواه أحمد في مسنده (21221)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2823).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى