هيا بنـا نؤمن ساعة

قدرة الله في القرآن والسنة

محمد الخولي

لقد توجّه القرآن الكريم بالعتاب واللوم لمَن غفل عن تعظيم الله سبحانه؛ فقال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام: 91]، وقد تكرّر ذكر هذه الآية في ثلاثة مواضع من القرآن، وهذا التكرار يدلّ -بلا شك- على عِظَمِ معنى هذه الآية وأهميتها:

فالموضع الأول: ورد في سورة الأنعام عند الردّ على مَن أنكر نزول الوحي والنبوّة؛ حيث قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 91]؛ لأنهم لو علموا قدر الله وعظمته؛ لعلموا أنّ إنزال الوحي وإرسال الرسل هو مقتضى حكمته، وأنه لا يمكن أن يترك خلقه هملًا بلا منهاج ضابط.

والموضع الثاني: في سورة الحج في سياق الحديث عن ضَعْفِ الأصنام والمعبودات التي عُبدت من دون الله، وعَجْزها عن خَلْق ذبابة ولو اجتمعت لذلك، وكذا عَجْزها عن مقاومة الذباب والانتصار منه إذا سلبها شيئًا من الطيب أو الطعام؛ حيث قال الله تعالى معقبًا على هذه الأوصاف للمعبودات الكاذبة: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 74]؛ ليُثْبت لنفسه القوةَ والعِزّةَ والغَلَبةَ -سبحانه وتعالى-.

وأمّا الموضع الثالث: ففي سورة الزمر في سياق حديث القرآن عن توحيد الله ونبذ الشرك، فجاءت هذه الآية كدليل على قدرة الله وعظمته في تملُّك مقاليد السماوات والأرض ووقوعهما في قبضته وتحت سلطانه؛ حيث قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر: 67].

ولقد كان النبي ﷺ كثيرًا ما يذكِّر أصحابه بعظمة الله وقدرته كلّما مرّ بمظهر من مظاهر عظمته سبحانه؛ وذلك لتربية قلوبهم على تعظيم الله وتوقيره؛ فقد رُوي عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: “أنّ رسول الله ﷺ قرأ هذه الآيةَ ذاتَ يوم على المنبر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر: 67] ورسول الله ﷺ يقول هكذا بيده، ويحركها، يُقْبِل بها ويُدْبِر، يُمجِّد الربُّ نفسَه: أنا الجبار، أنا المتكبّر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم؛ فرجَف برسول الله ﷺ المنبرُ حتى قلنا: ليخِرّنّ به”[1].

ورُوي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: “جاء حَبْرٌ من الأحبار إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد، إنَّا نجد أنَّ الله يجعل السماوات على إصبع، والأرَضِين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحِك النبيُّ ﷺ حتى بدَت نواجذه تصديقًا لقولِ الحبر، ثم قرأ رسول الله ﷺ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر: 67]”[2].

ولمّا قال أعرابيٌّ لرسول الله ﷺ: “إنَّا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله ﷺ: ويحَك! أتدري ما تقول؟! وسبَّحَ رسولُ الله ﷺ، فما زال يسبّح حتى عُرِف ذلك في وجوه أصحابِه، ثمّ قال: ويحَك! إنّه لا يُستشفَع بالله على أحدٍ مِن خلقِه، شأنُ الله أعظمُ من ذلك[3].

المصدر: مركز تفسير للدراسات القرآنية.

  1. رواه أحمد في مسنده (5414)، وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
  2. رواه البخاري (4811).
  3. رواه أبو داود في سننه (4726)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (6137).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى