فضل القارئ الحافظ على غيره
قال الله -عز وجل-: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت:49].
أخبر سبحانه أن كتابه العظيم آيات حفظها أولو العلم، ووعتها قلوبهم، ويفهم من ذلك أن حافظ القرآن من أهل العلم إذا كانت معانيه بينةً عنده، وهذا القيد ألمحه من قوله: بَيِّنَاتٌ إذا كان الجار والمجرور في قوله: فِي صُدُورِ متعلقاً به، وإلا فالآيات في ذاتها بينات، والقرآن قرآن مبين، وكتاب مبين، كما أخبر الله عنه في آيات من كتابه.
ومثل من يحفظ القرآن ومن لا يحفظه، كمثل رجلين أحدهما نقوده معه متى ابتغي شيئاً وجده، والآخر نقوده مع غيره، لا يحصل عليها إلا بطلبه، ولا يستوي من كان مستودعه صدره، ومن كان مستودعه في الخزانة والورق، وكان ابن تيمية يقول: "أنا جنتي وبستاني في صدري،إن رحت فهي معي لا تفارقني"[المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 153)] يريد: نصوص الوحي.
يقول الجنيد -رحمه الله-: "من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث؛ لا يُقتدى به في هذا العلم؛ لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة" [طبقات الأولياء،ابن الملقن (ص: 127)].
وبوّب أبو عوانة في مستخرجه: "باب الدليل على فضيلة من يحفظ القرآن على من يقرأه ولا يحفظه" [مستخرج أبي عوانة (8/ 79)] وأورد فيه حديث: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال [مسلم (809)].
وكم من الأوقات والأحوال لا يكون الإنسان فيها قادراً على قراءة القرآن في المصحف، مثل أن يكون أو يريد أن يكون في مكان مظلم، أو كان به ضعف في البصر، أو لم يجد مصحفاً، أو كان ماشياً في الطريق، وانظر -إن شئت-الذين يطوفون بالبيت ومصاحفهم في أيديهم، كيف يتعثرون في مشيهم، وهم ينظرون إلى المصحف، وكيف يكون حالهم في شدة الزحام؟!
إن للحفظ شرفاً عظيماً، وله لذة تجلو الهموم، وتبيد الغموم، إذا كان الحافظ يردد ما يحفظ، ويترنم به، ولهذا قال سهل بن عبد الله التستري لبعض طلابه: أتحفظ القرآن؟
قال: لا، قال سهل: واغوثاه لمؤمن لا يحفظ القرآن! فبم يترنم؟! وبم يتنغَّم؟! وبم يناجي ربه؟!
الناشر: د. عبد العزيز الحربي
المصدر: من كتاب تحزيب القرآن