القرآن هو رسالة الله عزَّ وجلَّ التي اختتم بها سائر الرسالات، وتحدى بإعجازه سائر المخلوقات، فقال سبحانه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88].
وإعجاز القرآن وأثره الإيماني دائمٌ ومُستمرٌّ في كل زمانٍ، ولكن دعني أُحدِّثك عن عبير القرآن الرمضاني، وهذه الحالة الإيمانية والسكينة الروحية التي تغشى المسلم عند تلاوة القرآن في رمضان، إنه سِرٌّ من أسرار هذا الشهر؛ لذلك تجد إقبالًا كبيرًا من المسلمين على القرآن في رمضان، وتجد نسائم العبير القرآني في كل مكانٍ: في المساجد، والمنازل، والأسواق، والمتاجر، ووسائل المواصلات، فلا تكاد تجد مكانًا يخلو من أثرٍ لعبير القرآن.
ولكن ما السّر في هذا الإقبال على القرآن في رمضان؟
إذا تأملنا سِرَّ العلاقة بين رمضان والإقبال على القرآن فمما نقف عليه: أن الصيام يُهذِّب النفس البشرية، فتتهيَّأ لاستقبال القرآن؛ ففي أيام الصيام تكون النفس هادئةً، ساكنةً بسبب ترك فضول الطعام، وهذا يعني: أنَّ من أعظم ما يُعِين على تدبّر القرآن وفهمه: التَّقلُّل من الفضول، مثل: فضول الطعام، وفضول الخُلْطَة مع الناس، وفضول النَّظر، وفضول السَّماع، فكلما زالت حواجز الفضول تهاوت الحُجُب بين القلب والقرآن؛ ولذلك كان رمضان الذي يتقلَّص فيه فضول الطعام والشراب والنكاح بالصيام، ويتقلَّص فيه فضول الخُلْطَة والكلام بالاعتكاف؛ هو شهر القرآن.
فضائل الليالي الرمضانية:
كما أنَّ عبير القرآن في رمضان ليس كسائر الشهور، كذلك ليالي رمضان ليست كسائر الليالي، والدليل على ذلك: أن الله عزَّ وجلَّ اختارها لنزول القرآن، وكذلك للمُدَارَسَة السنوية للقرآن بين جبريل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فضل هذه الليالي الرمضانية: أن جعل الله عزَّ وجلَّ فيها ليلة القدر، وهي خير ليالي العام على الإطلاق، وأخبر سبحانه أنَّ هذه الليلة خيرٌ من ألف شهرٍ.
ومن فضل هذه الليالي الرمضانية: أن شُرِعَتْ فيها صلاة التراويح، ووَرَدَ التَّرغيب فيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه[1]، ولعلَّ سماع القرآن وتدبّر آياته من أهم مقاصد هذه الصلاة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “من أَجَلِّ مقصود التراويح: قراءة القرآن فيها؛ ليسمع المسلمون كلام الله”[2].
لذلك ينبغي على المسلم أن يَعْمُر ليل رمضان بالقرآن كما يَعْمُر نهاره بالصيام، يقول الزرقاني رحمه الله: “وفي حديث ابن عباسٍ: أنَّ المُدارسة بينه صلى الله عليه وسلم وبين جبريل كانت ليلًا، وهو يدل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في رمضان ليلًا؛ لأن الليل تنقطع فيه الشَّواغل، وتجتمع فيه الهِمَم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التَّدبّر”[3].
المصدر: مركز تفسير للدراسات القرآنية.
- رواه البخاري (37)، ومسلم (759).
- “مجموع الفتاوى” لابن تيمية (23/ 122).
- شرح الزرقاني على “المواهب اللدنية بالمنح المحمدية” للقسطلاني (11/ 222).