الذكر الحكيم

صوارف تحول دون التدبر

من الصوارف التي تحول دون تدبر كتاب الله تعالى:

أمراض القلوب والإصرار على الذنوب:

وهي من أعظم ما يصد القارئ عن اتعاظ قلبه وانشراح صدره لمواعظ القرآن وحِكَمه وأحكامه، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146]، قال ابن قدامة رحمه الله: “وليتخلى التالي من موانع الفهم،…، ومن ذلك أن يكون التالي مصراً على ذنب، أو متصفاً بكبر، أو مبتلى بهوى مطاع، فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصداه، فهو كالجرب على المرآة، يمنع من تجلى الحق، فالقلب مثل المرآة، والشهوات مثل الصدأ، ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة، والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل الجلاء للمرآة”[1].

وقال الزركشي رحمه الله: “لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة ولا يظهر له أسراره، وفي قلبه بدعة، أو إصرار على ذنب، أو في قلبه كبر، أو هوى، أو حب الدنيا، أو يكون غير متحقق الإيمان” [2].

انشغال القلب وشرود الذهن:

فإنه يصرف عن تدبر القرآن والتأثر به لغفلة القلب، ولو كان قلبه حياً لكنه مشغول عنه بغيره، فهو غائب القلب ليس حاضراً، فهذا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه، ومن كثرة الشواغل التي تذكر حين التلاوة أن يكون هم القارئ إتمام السورة دون أن يكون همه الفهم والاتعاظ والعبرة التي تحويها الآيات، قال الحسن البصري رحمه الله: “يا ابن آدم! كيف يرق قلبك وإنما همتك في آخر السورة؟!” [3].

 قصر الخشوع على آيات الوعيد:

فمن الناس من يقصر الخشوع في رمضان، أو في القنوت، أو عند خشوع الإمام، أو عند آيات العذاب وذكر النار وأهوال القيامة، ومعلوم أن  أسباب الخشوع ودواعيه متعددة، ففعله ﷺ عند التلاوة فيه خشوع وتدبر، فهو ينزه ويسبح عند آيات الأسماء والصفات، ويسأل الله من فضله عند ذكر جنته وإنعامه وفضله ورحمته، ويستعيذ عند ذكر النار والعذاب [4].

قصر الهمة على كثرة القراءة فقط:

يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: “وبعض السلف قال: يستثنى من ذلك أوقات الفضائل، وأنه لا بأس أن يختم كل ليلة أو في كل يوم، كما ذكروا هذا عن الشافعي، وعن غيره، ولكن ظاهر السنة أنه لا فرق بين رمضان وغيره، وأنه ينبغي له أن لا يعجل وأن يطمئن في قراءته، وأن يرتل كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عمرو فقال: “اقرأه في سبع”[5]، هذا آخر ما أمره به، وقال: “لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث”[6]، ولم يقل إلا في رمضان، فحمل بعض السلف هذا على غير رمضان محل نظر، والأقرب -والله أعلم- أن المشروع للمؤمن أن يعتني بالقرآن ويجتهد في إحسان قراءته وتدبر القرآن والعناية بالمعاني ولا يعجل، والأفضل أن لا يختم في أقل من ثلاث، هذا هو الذي ينبغي حسب ما جاءت به السنة، ولو في رمضان”[7].

الفهم القاصر لمعاني الآيات.

ومن خلال تلك المفهومات القاصرة تفهم الآيات وتفسر المقاصد، ويخصص العام ويقيد المطلق، ومن خلال خلفيات سابقة يحكم على النصوص فلا ينتفع القارئ بقراءة القرآن، ولا يحصل له التدبر المقصود، فهو يردد الألفاظ وقد زاغ قلبه عن المعنى المراد، أو قصر نظره أو ضل فهمه.

الانشغال بالمبهمات:

وذلك كالبحث عن الأعداد والأسماء والأماكن ونحوها من الأمور المبهمة، وقد هوّن الله من عدد أهل الكهف فقال: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ [الكهف:22].

المصدر: كتاب: “من أجل تدبر القرآن”، سلمان السنيدي (ص:12-14)، بتصرف يسير.

  1. مختصر منهاج القاصدين (ص: 53-54).
  2. البرهان في علوم القرآن (2/ 180).
  3. مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص: 150)
  4. انظر: تدبر القرآن، سلمان السنيدي (ص:51).
  5. أخرجه البخاري، برقم (5052)، ومسلم، برقم (1159).
  6. أخرجه أبو داود، برقم (1182)، واللفظ له، والترمذي، برقم (2873).
  7. مجموع فتاوى ابن باز (11/ 350)

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى