هيا بنـا نؤمن ساعة

رمضان شهر الدعاء

محمد بن إبراهيم الحمد

فإن شأنَ الدعاءِ عظيم، ونفْعَهُ عميم، ومكانتَه عاليةٌ في الدين، فما استُجْلِبت النعمُ بمثله، ولا استُدْفِعت النِّقَمُ بمثله، ذلك أنه يتضمن توحيد الله، وإفراده بالعبادة دون من سواه، وهذا رأس الأمر، وأصل الدين، وإن شهرَ رمضانَ لفرصةٌ سانحة، ومناسبة كريمة مباركة يتقرب فيها العبد إلى ربه بسائر القربات، وعلى رأسها الدعاء؛ ذلكم أن مواطن الدعاء، ومظانَّ الإجابة تكثر في هذا الشهر؛ فلا غَرْوَ أن يُكْثِر المسلمون فيه من الدعاء.

ولعل هذا هو السر في ختم آيات الصيام بالحثّ على الدعاء، حيث يقول ربنا -عز وجل-: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة: 186].

وإليكم معاشر الصائمين هذه الوقفات اليسيرة مع مفهوم الدعاء، وفضله.

أيها الصائمون: الدعاء هو أن يطلبَ الداعي ما ينفعُه، وما يكشف ضُرَّه، وحقيقته إظهار الافتقار إلى الله، والتبرؤ من الحول، والقوة، وهو سمةُ العبوديةِ، واستشعارُ الذلةِ البشرية، وفيه معنى الثناءِ على الله -عز وجل- وإضافةِ الجود، والكرم إليه.

أما فضائلُ الدعاءِ، وثمراتُه، وأسرارُه _فلا تكاد تحصر، فالدعاءُ طاعةٌ لله، وامتثال لأمره، قال الله -عز وجل-: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60].

والدعاء عبادة، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: الدعاء هو العبادة[1].

والدعاء سلامة من الكِبر: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60].

والدعاءُ أكرمُ شيءٍ على الله، قال النبي ﷺ: ليس شيءٌ أكرم على الله -عز وجل- من الدعاء[2].

والدعاء سبب لدفع غضب الله، قال النبي ﷺ: من لم يسألِ اللهَ يَغْضَبْ عليه[3].

والدعاء سبب لانشراح الصدر، وتفريج الهم، وزوال الغم، وتيسير الأمور، ولقد أحسن من قال:

وإني لأدعو اللهَ، والأمرُ ضيّقٌعليَّ فما ينفك أن يتفرّجا
وربَّ فتىً ضاقتْ عليه وجوهُهُأصاب له في دعوة الله مَخْرَجا[4]

والدعاء دليل على التوكل على الله، فَسِرُّ التوكلِ، وحقيقتُه: هو اعتمادُ القلبِ على الله، وفعلُ الأسباب المأذون بها، وأعظمُ ما يتجلى هذا المعنى حالَ الدعاء؛ ذلك أن الداعيَ مستعينٌ بالله، مفوضٌ أمرَهُ إليه وحده.

والدعاء وسيلة لكِبَرِ النفس، وعلو الهمة؛ ذلك أن الداعيَ يأوي إلى ركن شديدٍ، ينزل به حاجاتِه، ويستعين به في كافّة أموره، وبهذا يتخلص من أَسْر الخلق، ورقِّهم، ومنَّتِهِم، ويقطعُ الطمعَ عما في أيديهم، وهذا هو عين عِزِّهِ، وفلاحِه.

المصدر: صيد الفوائد (بتصرف)

  1. أخرجه ابن ماجه في كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء برقم (3828) وأبو داود في باب تفريع أبواب الوتر، باب الدعاء برقم (1479) والترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة برقم (2969) وصححه الألباني.
  2. أخرجه ابن ماجه في كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء برقم (3829) والترمذي ت شاكر في أبواب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء برقم (3370) وحسنه الألباني.
  3. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الدعوات برقم (3373) وحسنه الألباني.
  4. في بهجة المجالس وأنس المجالس (ص: 233) بلا نسبة لقائل.

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى