أحكام رمضانية

حكم بيع البقال المواد الغذائية في نهار رمضان

السؤال:

ما حكم بيع الطعام في نهار رمضان في الدكان، أو البقالة؟ وأنا أسكن في روسيا، أكثر الناس فيها لا يصومون، وقرأت في موقعكم أن هذا حرام في المطعم، أو المقصف؛ لأن الزبائن يأكلون في المطعم مباشرة، وأنا أبيع الطعام مثل السجق، أو الخبز، أو أرز في الدكان، ولا أعرف متي سيأكلها المشتري، لكن يغلب علي الظن أنه لا يصوم، وربما سيأكل بعد المغرب، وربما مباشرة، أو بعد قليل.

الجواب:

الحمد لله.

يمكن تقسيم مبيعات الدكان، أو البقالة إلى نوعين، ولكل نوع حكمه:

النوع الأول:

أطعمة يغلب على الظن أن مشتريها يتناولها فور شرائه لها، بحكم صفتها، والحاجة إليها، كمثل المثلجات من الآيس كريم، والعصائر، والمشروبات الباردة، أو الساخنة المفتوحة التي تتناول حين شرائها، أو الحلويات التي تصنع مباشرة لتؤكل، ونحوها من المطعومات، فهذه لا يجوز للمسلم بيعها في نهار رمضان؛ لما يغلب على الظن أن مشتريها سينتهك حرمة الشهر الفضيل بأكلها، سواء كان من المسلمين، أم من غير المسلمين، فكلهم مخاطبون بفروع الشريعة، وكلهم لا يحل معاونتهم على الإثم، والعدوان، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2].

قال الإمام الرملي الشافعي -رحمه الله-:

“ومثل ذلك إطعام مسلم مكلف كافرًا مكلفًا في نهار رمضان، وكذا بيعه طعامًا علم أو ظن أنه يأكله نهارًا، كما أفتى به الوالد -رحمه الله- تعالى؛ لأن كلًا من ذلك تَسَبُّبٌ في المعصية، وإعانة عليها؛ بناء على تكليف الكفار بفروع الشريعة، وهو الراجح” انتهى من “نهاية المحتاج” (3/471).

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:

“لا يجوز فتح المطاعم، ولو للكفار -وطبعًا للمسلمين غير مفتوحة- في أيام رمضان، ومن رأى منكم صاحب مطعم فتحه في رمضان؛ وجب عليه أن يبلغ الجهات المسئولة لمنعه، ولا يمكن لأي كافر أن يظهر أكلًا أو شربًا في نهار رمضان في بلاد المسلمين، يجب أن يمنع من ذلك” انتهى من “اللقاء الشهري” (8/ 4، بترقيم الشاملة آليا).

وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (2 – 9/ 36):

“لا يجوز فتح المطعم في نهار رمضان للكفار، ولا خدمتهم فيه؛ لما فيه من المحاذير الشرعية العظيمة، من إعانة لهم على ما حرم الله، ومعلوم من الشرع المطهر أن الكفار مخاطبون بأصول الشريعة، وفروعها، ولا ريب أن صيام رمضان من أركان الإسلام، وأن الواجب عليهم فعل ذلك مع تحقيق شرطه، وهو الدخول في الإسلام، فلا يجوز للمسلم أن يعينهم على ترك ما أوجب الله عليهم، كما لا يجوز له خدمتهم على وجه فيه إذلال للمسلم، وإهانة له؛ كتقديم الطعام لهم، ونحوه، ويجب التزام الكفار القادمين إلى بلاد الإسلام بعدم مزاولة ما يخالف شعائر الإسلام، ويؤذي المسلمين، ويثير مشاعرهم؛ لهذا فيجب إغلاق المطعم المذكور في الشركة المذكورة في نهار شهر رمضان” انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – الشيخ عبد الله بن غديان – الشيخ صالح الفوزان – الشيخ عبد العزيز آل الشيخ – الشيخ بكر أبو زيد.

وقد سبق تقرير حكم هذا النوع في الجواب رقم: (78494) (49694).

النوع الثاني:

أطعمة، وأشربة لا يمكن للبائع أن يعلم وقت تناول المشتري لها، إن كان نهارًا أم ليلًا، كمثل المعلبات، والسكاكر المغلفة، والخبز، والمواد التموينية كلها، كالزيت، والأرز، ونحوها، وهي الأكثر من مبيعات الأسواق التجارية فيما نعلم، فهذه لا حرج على المسلم في بيعها في نهار رمضان، ولا إثم عليه في ذلك:

فهو -وإن غلب على ظنه أن المشتري ليس بصائم بسبب كفره الأصلي، أو تقصيره في إسلامه- ولكنه لا يعلم عن حاجة هذا المشتري لما اشتراه، فقد يستعملها من فوره، وقد لا يستعملها إلا بعد مدة، وقد تتلف عليه، ولا ينتفع بها.

كما أنه ليس ثمة حكم عام، أو وصف غالب لاستعمال هذه المشتريات، ولا يملك أحد أن يحدد إن كان غالب الناس يشتريها ليأكل منها نهارا أم ليلا، فالأمر فيها مطلق، ومفتوح.

وحينئذ تبقى على أصل جواز بيعها، ولا شك، ولا تدخل في النهي عن التعاون على الإثم والعدوان؛ لأن أحدًا لا يمكنه الجزم أنها ستستعمل على وجه الإثم والعدوان، والأصل هو الإباحة، ولا يجوز الانتقال عن هذا الأصل إلا بناقل مقنع وحقيقي.

تجد هذا في القيد الذي نقله الرملي أعلاه، حين قال:

“وكذا بيعه طعامًا علم أو ظن أنه يأكله نهارًا”.

والغرض في النوع الثاني هنا أن البائع لم يعلم ولم يظن أن المشتري سيتناول الطعام في نهار رمضان، فلا تتحقق علة التحريم، بل يبقى الحكم على الإباحة، وهكذا الشأن في كل بيع وقع فيه الشك في وجه استعمال المشتري فيه.

كما قال الرملي -رحمه الله-: “ومن نسب للأكثرين الحل هنا -أي مع الكراهة- محمول على ما لو شك” انتهى من “نهاية المحتاج” (3/471).

فالأكثرون الذين قرروا الجواز في مثل هذه الصور، كانوا يريدون بالجواز حال شك البائع، وعدم علمه بمقصد المشتري من شرائه.

كما أن الشريعة الإسلامية لا تكلف الناس العنت، ولا تأمرهم بما لا يطيقون، والتفتيش عن مقصد كل مشتر، من الحرج والعنت ما لا يخفى، والخروج عن اليسر إلى العسر، والله -u. ,[g- لا يرضى بذلك، كما قال سبحانه: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ [البقرة: 286] وقال -عز وجل-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185].

ولا يقاس – هذا النوع الثاني – على حرمة بيع العنب لمن يعصره خمرًا، فشرب الخمر محرم في جميع الأحوال، وبائع العنب له يغلب على ظنه أن المشتري سيعصي الله بما يشتريه، أما بائع المواد الغذائية في نهار رمضان، فلا يغلب على ظنه أن المشتري سيعصي الله بما يشتريه.

والله أعلم.

المصدر: موقع الإسلام سؤال، وجواب

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى