حكم التَّسحر على “حبَّة رمضان” التي تُخفف من أثر الجوع أثناء نهار الصائم
السؤال:
هناك حديثٌ في أوساط الناس عن بعض العقاقير التي تتحكم وتُقلل من نسبة الشعور بالجوع والعطش في جسم الشخص، ويقوم بعض الناس باستخدام هذه العقاقير في شهر رمضان، فما حكم تناول هذه العقاقير؟
الجواب:
الحمد لله.
عرَّف العلماء الصيام بأنه: “التَّعبد لله بالإمساك عن المُفطرات: كالطعام والشراب والجماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس”، كما قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، وكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: الصيام جُنَّةٌ، فلا يَرْفُثْ ولا يَجْهَلْ، وإن امْرُؤٌ قاتله أو شاتمه فَلْيَقُلْ: إني صائمٌ -مرتين-. والذي نفسي بيده، لَخُلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي، وأنا أَجْزِي به، والحسنة بعشر أمثالها[1].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “والمُفسد للصوم يُسمَّى عند العلماء “المُفطرات”، وأصولها ثلاثةٌ ذكرها الله عزَّ وجلَّ في قوله: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، وقد أجمع العلماء على أن هذه الثلاثة تُفسد الصوم”[2].
والعقاقير الوارد الإشارة إليها في السؤال هي –بحسب الموقع المُحال عليه– حبةٌ مُكونةٌ من أعشابٍ وموادَّ مُباحة الاستعمال والتناول، وتُسمَّى “حبَّة رمضان”، وفيها من أنواع الفيتامينات المُتعددة (بي1، بي2، بي6، بي12)، وغيرها من المواد النافعة للبدن، وهي تُزود الجسم بالنشاط أثناء النهار، وتُخفف عليه الجوع؛ لما في هذه المواد من قُدرةٍ على مُساعدة المخ على إعطاء أوامر للجسم ليبحث عن الغذاء في الشحوم والدهون الزائدة في الجسم، عوضًا عن المعدة الخاوية.
ومما لا شكَّ فيه أن تناول هذه الحبوب والعقاقير في نهار رمضان أنه مُفطِّرٌ، ولا يختلف في ذلك أحدٌ؛ لكونها من الطعام، والذي يصل الجوف مُباشرةً.
والظاهر من السؤال: أنه عن حكم تناولها في الليل قبل الفجر، وأنه لكون تلك العقاقير لها القدرة على جعل البدن في نشاطٍ مُستمرٍّ، ولها القدرة على منع إحساسه بالجوع، فإنه قد يظن ظانٌّ أنه لا يحلُّ تناولها من الليل؛ لما لها من استمرار مفعولٍ في النهار، وهذا ظنٌّ خطأٌ، بل هي جائزة الاستعمال ما دام تناولها في وقت إباحة تناول الطعام والشراب.
وأما أثرها المُستمر في النهار فهو ليس بمانعٍ من تناولها، ولا فرق بينها وبين طعام السحور.
ومن الحِكَم الجليلة في تأخير تناول السحور: إعطاء البدن قدرةً أكبر وأكثر على تحمل الصيام في النهار؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: تَسَحَّروا؛ فإنَّ في السَّحور بركةً[3].
قال الحافظ ابن حجر: “قوله في حديث أنسٍ: تَسَحَّروا؛ فإنَّ في السَّحور بركةً … المراد بالبركة: الأجر والثواب … أو البركة؛ لكونه يُقوي على الصوم، ويُنشِّط له، ويُخفف المشقة فيه …
وقيل: البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السَّحَر.
والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهاتٍ متعددةٍ: وهي اتِّباع السنة، ومُخالفة أهل الكتاب، والتَّقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومُدافعة سُوء الخلق الذي يُثيره الجوع، والتَّسبب بالصدقة على مَن يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتَّسبب للذِّكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمَن أغفلها قبل أن ينام”. انتهى[4].
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في سياق ذِكر بركات السحور: “من بركته: أنه يُغذِّي الجسم طوال النهار، ويحمل على الصبر عن الأكل والشرب حتى في أيام الصيف الطويلة الحارة، بينما الإنسان في غير الصيام تجده يشرب في اليوم خمس وستَّ مراتٍ، ويأكل مرتين، لكن هذا السحور يجعل الله فيه بركةً؛ فيتحمل الجسم”. انتهى[5].
والحاصل: أنه لا حرج في تناول هذه الحبوب.
وانظر جواب السؤال رقم (49686) في إباحة تناول الهرمونات في السحور لرياضيٍّ.
والله أعلم.
المصدر: الإسلام سؤالٌ وجوابٌ.
- رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151).
- “الشرح الممتع” (6/ 366).
- رواه البخاري (1923)، ومسلم (1095).
- “فتح الباري” (4/ 140) باختصارٍ.
- “لقاء الباب المفتوح” (مقدمة اللقاء رقم 223).