هيا بنـا نؤمن ساعة

حقيقة التقوى ووسائلها

قال الإمام ابن رجب: “وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويَحذَره وقايةً تقيه منه؛ فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك؛ وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه”[1].

وقال القشيري: “فالتقوى جماع الخيرات؛ وحقيقة الاتقاء: التحرر بطاعة الله من عقوبته، وأصل التقوى: اتقاء الشرك، ثم بعد ذلك اتقاء المعاصي والسيئات، ثم بعد ذلك اتقاء الشبهات، ثم بعد ذلك ترك الفضلات”[2].

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه- في معنى قوله تعالى: “اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102]: أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكَر فلا يُنسى، ويُشكَر فلا يُكفَر”[3].

وقال سهل بن عبدالله: “مَن أراد أن تصح له التقوى؛ فليترك الذنوب كلها”[4].

وقال الروذباري: “التقوى: مجانبة ما يبعدك عن الله”[5].

وقيل: “يستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء:

1- حُسن التوكل فيما لم ينل.

2- وحُسن الرضا فيما قد نال.

3- وحُسن الصبر على ما قد مضى”[6].

وقال خالد بن شوذب: “شهدتُّ الحَسن وأتاه فرقد السبخي وعليه جبة صوف، فأخذ الحَسن بتلابيبه ثم قال: يا فرقد –مرتين أو ثلاثًا–، إن التقوى ليس في هذا الكساء، إنما التقوى ما وقر في القلب وصدقه العمل”[7].

علاقة العلم بالتقوى:

والتقوى لا تقوم إلا على ساق العلم، فالجاهل لا يمكن أن يكون تقيًّا؛ لأنه لا يعلم ما يُتَّقى وما لا يُتَّقى، وهذا غاية التخليط.

قال الإمام ابن رجب: “وأصل التقوى: أن يعلم العبد ما يُتَّقَى ثم يَتَّقِي”[8].

وقال بكر بن خنيس: “كيف يكون متقيًا مَن لا يدري ما يَتَّقِي؟”[9].

وقال معروف: “إذا كنت لا تحسن تتقي؛ أكلت الربا. وإذا كنت لا تحسن تتقي؛ لَقِيَتْك امرأةٌ فلم تغض بصرك. وإذا كنت لا تحسن تتقي؛ وضعت سيفك على عاتقك -أي: شهرت سيفك وقاتلت في الفتنة-“[10].

مراتب التقوى:

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “التقوى ثلاث مراتب:

  • إحداها: حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات.
  • الثانية: حميتهما عن المكروهات.
  • الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني.

فالأولى: تعطي العبد حياته.

والثانية: تفيد صحته وقوته.

والثالثة: تكسبه سروره وفرحه وبهجته”[11].

الطريق إلى التقوى، ووسائلها:

يمكن تقسيم التقوى إلى قسمين: واجبة ومستحبة.

أما الواجبة: فلا يمكن أن تتحقق إلا بفعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات؛ وأعظم الواجبات: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

وأعظم المحرمات: الشرك بالله والكفر بجميع أنواعه؛ قال تعالى: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة 1-4].

  • قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: “ينادى يوم القيامة: أين المتقون؟ فيقومون في كنفٍ من الرحمن لا يحتجب منهم ولا يستتر. قالوا له: مَن المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله بالعبادة”[12].
  • وقال الحسن: “المتقون اتقوا ما حُرِّم عليهم، وأدوا ما افتُرِض عليهم”[13].
  • وقال عمر بن عبدالعزيز: “ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك؛ ولكن تقوى الله: ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمَن رُزق بعد ذلك خيرًا، فهو خير إلى خير”[14].

وأما التقوى المستحبة: فهي تكون بفعل المندوبات وترك المكروهات، وربما بالَغ المتقي في التنزه عن بعض ما هو حلال مخافةَ الوقوع في الحرام.

  • قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: “تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشيةَ أن يكون حرامًا؛ حجابًا بينه وبين الحرام”[15].
  • وقال الحسن: “ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافةَ الحرام”[16].
  • وقال الثوري: “إنما سُمُّوا متقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يُتَّقى”[17].
خلِّ الذنوب صغيرهـاوكبيــــرهـا ذاك التقــى
واصنع كماشٍ فوق أرضالشوك يحذر ما يرى
لا تحقــرنَّ صغيـــــرةإن الجبـال مـن الحصـى[18]

المصدر: دار الوطن

  1. روائع التفسير، لابن رجب (1/ 360).
  2. الرسالة القشيرية (1/ 227).
  3. الزهد، لأبي داود (ص: 145).
  4. الرسالة القشيرية (1/ 228).
  5. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، لمحمد عويضة (5/ 8).
  6. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، لمحمد عويضة (5/ 13).
  7. الزهد، لأحمد بن حنبل (1/ 456).
  8. تفسير ابن رجب (1/ 364).
  9. المصدر السابق (1/ 364).
  10. المصدر  السابق (1/ 364).
  11. الفوائد، لابن القيم (ص: 31).
  12. تفسير ابن رجب (1/ 362).
  13. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، لابن رجب (2/ 470).
  14. تفسير ابن رجب (1/ 362).
  15. المصدر السابق (1/ 144).
  16. المصدر السابق (1/ 144).
  17. تفسير ابن كثير (1/ 362).
  18. المصدر السابق (1/ 164).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى