هيا بنـا نؤمن ساعة

ثمرات التفكّر في عظمة الله وقدرته

محمد الخولي

لقد حث القرآن الكريم على التفكر في عظيمه الله سبحانه وقدرته في غير آية من آياته، وسلك في الحديث  عن عظمته سبحانه وقدرته ثلاث طرائق: إما بالتعريف بأسمائه سبحانه وصفاته، وإما بالحث على التفكّر في بديع مخلوقاته، وإما بالاعتبار بأخبار السابقين وما فعل الله بهم.

وكذلك كان النبي ﷺ كثيرًا ما يذكِّر أصحابه بعظمة الله وقدرته كلّما مرّ بمظهر من مظاهر عظمته سبحانه؛ وذلك لتربية قلوبهم على تعظيم الله سبحانه وتوقيره.

ثمرات التفكّر في عظمة الله وقدرته

الثمرة الأولى: أن يوحِّد العبدُ ربَّه سبحانه، ولا يخاف إلّا منه، ولا يرجو سواه، ولا يتحاكم إلّا له، ولا يَذِلّ ولا يخضع إلّا لعظمته -جلّ وعلا- فإبراهيم -عليه السلام- حينما ناظر قومه، وأثبت لهم عدم أهلية معبوداتهم للعبادة، وجّههم لعبادة الإله الحقّ العظيم، الذي خلق السماوات والأرض، وما فيهما، فقال: يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ۝ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 78، 79] وهذا ما ينبغي أن يترسّخ في قلب المؤمن بعد مشاهدة عظمة الله سبحانه وقدرته.

الثمرة الثانية: شعور العبد بالاطمئنان والعزّة والرفعة، وعدم الشعور بالخوف، أو الذلّ، أو الهُون، حتى في أصعب الظروف، وفي أشدّ الأحوال؛ لأنه يأوي إلى ركن شديد، ولقد جسّد لنا النبي ﷺ هذا الشعور في أصعب المواقف التي مرّ بها عند الهجرة، حينما وقف الكفار أمام الغار، فخاف أبو بكر عليه، فقال له: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما[1]، فقد قال تعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 40] وكذلك عندما تيقّن بنو إسرائيل من الهلاك على يد فرعون، قال لهم موسى عليه السلام: إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، فقد قال تعالى: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ۝ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 61، 62].

الثمرة الثالثة: أنْ نخشاه سبحانه ونعظِّمه، فلو علمَ العبدُ ما لله من عظمةٍ ما عصاه، ولو علم أسماءَه وصفاته وكماله وجلاله ما أحبّ غيره، ولو علم فضله وكرمه ما رجا سواه، فقد قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28] يقول الإمام ابن كثير -رحمه الله-: “إنما يخشاه حقّ خشيته العلماءُ العارفون به؛ لأنه كلّما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى؛ كانت المعرفة به أتمّ والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر”[2].

الثمرة الرابعة: أن يعرف العبد قدره، وأن لا يغترّ بقدرته، ويعلم أنه مهما بلغ من القوة والعلم فإنه في قبضة الله، وتحت قهره سبحانه، فقد قال تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 18] يقول ابن كثير -رحمه الله-: “أي: هو الذي خضعت له الرقاب، وذلّت له الجبابرة، وعَنَت له الوجوه، وقهر كلّ شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوّه وقدرته الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره”[3].

الثمرة الخامسة: الاجتهاد في طاعة الله، والعمل على مرضاته، فمَن عرف عظمة الله سبحانه؛ احتقر أعماله، وشعر بالتقصير في جنابه، فقد كان النبي ﷺ يقوم الليل حتى تتفطر قدماه؛ لتأدية حقّ شكر الله؛ لأنه أعرف الناس بالله سبحانه، يقول ابن القيم -رحمه الله-: “كلما شَهِدْتَ حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرَفْتَ الله، وعرفت النفس، وتبيّن لك أن ما معك من البضاعة لا يصلح للمَلِك الحقّ ولو جئتَ بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته. وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضُّله، ويثيبك عليه أيضًا بكرمه وجوده وتفضله”[4].

الثمرة السادسة: اللجوء إليه سبحانه في الشدائد، والتضرع إليه سبحانه عند نزول المصائب، فقد قال -عز وجل-: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 107].

المصدر: مركز تفسير للدراسات القرآنية

  1. رواه البخاري (3653)، ومسلم (2381).
  2. تفسير ابن كثير (6/ 544).
  3. تفسير ابن كثير (3/ 244).
  4. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن كثير (1/ 194).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى