وسائل لعيش الأسرة مع القرآن في زمن كورونا
البيت المسلم هو المحضن الأول من محاضن تربية الأجيال، والمتأمل في حال البيوت المسلمة سواء في شهر رمضان أو غيره يجد ما تبكي لأجله العين، ويحزن له القلب من حال تلك البيوت المؤلم فمن بيت اشتغل أهله بالدنيا وزخرفها، إلى بيت يعج بالمنكرات، إلى بيت سكنته القذارة والجهل، إلى بيت مهزوز الثوابت، ضعيف الأعمدة، بعيد أهله عن الإيمان، إلى بيت غفل الوالدين فيه عن تربية أبنائهم بمشاغل الدنيا.
ونظرًا لتفرغ الوالدين والجلوس في البيوت من أجل الحجر الصحي لتجنب الإصابة بهذا الوباء القاتل؛ فإن من الواجب على الجميع أن يقيم البرامج الإيمانية القرآنية، ويعقد الجلسات العائلية النافعة داخل محيط البيت في أيام الشهر المبارك، وهذه بعض الوسائل العملية المعينة ذلك:
الوسيلة الأولى:
هي إخلاص العمل لله تعالى، والعلم أن لا توفيق، ولا بركة، ولا عز إلا إذا كان العمل لله تعالى وحده، فهو أساس كل نجاح، ومنطلق كل تميز، وطريق إلى جنة الرضوان، وكم من عمل صغير يفعله العبد لوجه الله تعالى فيجده عند الله عظيماً، وكم من عمل عظيم وكبير يفعله العبد ليراه الناس فيجده عند الله صغيراً حقيراً، يقول تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [سورة البينة: 5]، لذا فإن علينا جميعاً أن لا نبدأ في إقامة أي مشروع أو نشاط تربوي أو دعوى في البيت في شهر رمضان حتى نراجع أنفسنا، ونختبر نوايانا في سبب إقامته وتفعيله.
الوسيلة الثانية:
إقامة حلقة خاصة لأعضاء الأسرة لقراءة القرآن الكريم، ولابد من تجهيز المكان المناسب لها، ويتعين مشاركة جميع أعضاء الأسرة في هذه الحلقة مع مراعاة مستوياتهم وأعمارهم، ومستوى حفظ كل واحد منهم، ولابد أيضًا من تخصيص وقت دائم من كل يوم يعلم عند الجميع طيلة أيام الشهر المبارك بأن هذا الوقت مخصص للحلقة الأسرية، ليقيس مدى نجاح الأعضاء ليشجع المتميز فيها، ويأخذ بيد المقصر، ويفضل أن يكون المشرف هو الأب، أو الأخ الأكبر، أو الأم أن كان لها القدرة في ذلك.
الوسيلة الثالثة:
إعداد جدول لتلاوة وحفظ القرآن الكريم يضم فيه جميع أعضاء الأسرة، وإن كانت هذه الوسيلة تدخل ضمناً مع سابقتها إلا أنها تختص بإقامة تلاوتين في وقتين مختلفين التلاوة الأولى تلاوة تدبر وتأمل في آيات الله تعالى، والتلاوة الثانية تلاوة لكسب الأجر المترتب لقارئ القرآن، وهذه يقصد منها إضافة إلى طلب الأجر من الله ختم القرآن الكريم أكثر من مرة في هذا الشهر الكريم، فتسجل هاتين التلاوتين في الجدول المطلوب إعداده، ويعطى كل عضو صورة من هذا الجدول للاحتفاظ به، وتسجيل سيره في التلاوتين خلال أيام الشهر المبارك، وهذه الوسيلة تساعد في بث الحماس بين أعضاء الأسرة الواحدة، وتقوية العلاقة بهم مع القرآن الكريم.
الوسيلة الرابعة:
إقامة درس تفسير لإحدى سور القرآن الكريم القصيرة، أو لآيات الصيام في القرآن الكريم على أن لا تتجاوز مدة الدرس عشرين دقيقة، وأن يكون الدرس بعد حلقة القرآن الكريم، وعلى جميع الأعضاء المشاركة في تفعيل الدرس وحضوره، ويستفاد من هذه الوسيلة زيادة تدبر أعضاء الأسرة في معاني القرآن الكريم وأسباب النزول، ومعاني المفردات إلى غير ذلك من الفوائد الجمّة.
الوسيلة الخامسة:
إعداد وتجهيز كل ما تحتاجه الحلقة من أدوات وأثاث، كشراء المصاحف لجميع الأعضاء، وإعداد حاملات المصاحف، وسجادات للصلاة، وتخصيص مصلى في المنزل، ومذكرات ورقية لكتابة الفوائد أن حصل مثل ذلك، ويراعى أيضًا تعليق بعض اللوحات المكتوبة عليها بعض الجمل والأقوال التي تحث على قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، وتبيّن أجر تدبره وحفظه، وعلى الجميع أن يشاركون في إعداد كل المتطلبات والتجهيزات للحلقة.
الوسيلة السادسة:
إعداد مسابقة في حفظ وتلاوة القرآن الكريم، وتكون في الأقسام التالية:
- مسابقة في حفظ السور القصيرة، أو حفظ بعض الآيات المتعلقة بأحكام الصوم وبشهر رمضان المبارك.
- مسابقة في تلاوة آيات القرآن الكريم.
- مسابقة في تفسير الآيات التي يتم حفظها أو تلاوتها.
- مسابقة في أحكام التجويد وغيرها من المسابقات التي تتعلق بالقرآن العظيم، ويراعى أيضًا وجود مشرف لهذه المسابقات، ومراعاة الأعمار والعقول لأعضاء الأسرة والوقت المناسب لاستلام وتسليم الأسئلة والإجابات، وتبين الثمرات، والفوائد المستنبطة من إقامة هذه المسابقات.
الوسيلة السابعة:
إقامة درس واحد أو مجموعة من الدروس خلال أيام الشهر المبارك تبين فضل قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، ويوضّح في هذا الدرس الآيات والأحاديث النبوية الدالة على ذلك الفضل، على أن يتفرد أحد أعضاء الأسرة بإعداد الدرس وتحضيره، وكتابته ومن ثم شرحه على بقية الأعضاء والإجابة على الأسئلة المتعلقة بالدرس، ومثل هذه الدروس لها من الفوائد ما يعجز الشخص عن حصره، ولعل من أهمها تدريب أعضاء الأسرة على الانضباط، والحرص على الاجتماع والحضور، كما تربي فيه حب مجالس الذكر، وفيها أيضا حب الاستنباط، واستخراج الشواهد، والفوائد من كل درس يقام.
الوسيلة الثامنة:
تخصيص الجوائز، والهدايا المالية، والعينية للمتميزين في الحفظ، والتلاوة، والمسابقات الخاصة بها، ويراعى أن تكون الجوائز ذات قيمة لتبعث الحرص، والاجتهاد والتميز في أنفس الأعضاء.
وهنا ملاحظة مهمة قد تتسبب هذه الجوائز والمكافآت في إدخال بعض الحسد أو الحقد في قلوب الأبناء على بعضهم البعض، لذا فإن على رب الأسرة أن يراعي مثل هذه الأحداث، وعليه أيضًا إخبارهم أن الجائزة ما وضعت إلا لبث التنافس بينهم، ولحثهم على المسابقة في الخير، وإن استطاع أن يجلب لجميع المشاركين جوائز ومكافآت فهذا أفضل مع اختلاف قيمتها وحجمها وأثرها على القلوب لإتمام مسألة العدل في ذلك.[1]
المصدر: صيد الفوائد (من مقال للكاتب حسين بن سعيد الحسنية).