كان النبَّيُّ ﷺ يحبُّ استماع القرآن العظيم؛ وتطيب نفسه حين استماعه له، ويظهر أثر الاستماع عليه بالتَّأثُّر والخشوع والبكاء. ولا عجب من ذلك فهو أرقُّ النَّاس قلباً، وأسرعهم دمعة، وأعظمهم تأثُّراً بالقرآن الكريم، فقد كان أعرفَ الخلق بالله، وأشدَّهم له خشية. ومن هذه المواقف المباركة:
1- عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: قال رسول الله ﷺ: اقْرَأْ عَلَيَّ، قالَ: قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41]. قالَ لِي: كُفَّ، أَوْ أَمْسِكْ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ[1].
2- قال النبيُّ ﷺ لأبي موسى الأشعريِّ -رضي الله عنه-: لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ[2] لِقِراءَتِكَ البَارِحَةَ! لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْماراً[3] مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ [4].
3- عن عائشةَ، زَوْجِ النَّبيِّ ﷺ، قالت: أبطأتُ على عهدِ رسولِ الله ﷺ ليلةً بعد العِشَاءِ. ثُمَّ جِئْت فقال: أيْنَ كُنْتِ؟. قلتُ: كنتُ أستَمِعُ قراءةَ رجلٍ مِنْ أصحابِك لَمْ أسمَعْ مِثلَ قراءتِه وَصَوتِهِ مِنْ أحدٍ. قالتْ: فَقَامَ وقُمْتُ معه حتَّى اسْتَمَعَ له. ثمَّ الْتَفَتَ إليَّ فقال: هَذاَ سَالِمٌ، مَوْلَى أبي حُذَيْفَةَ. الحَمْدُ لله الَّذي جَعَلَ في أُمَّتِي مِثْلَ هَذَا [5].
4- ولا أدلَّ على محبَّة النبيِّ ﷺ لاستماع القرآن الكريم من قول فاطمة رضي الله عنها: أَسَرَّ إلَيَّ النبيُّ ﷺ: أَنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي بِالقُرآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي [6]، قال ابن حجر رحمه الله: “والمُعارضة: مفاعلة من الجانبين، كأنَّ كلاً منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع”[7].
وخلاصة القول: إنَّ المواقف والمواضع التي تُبرز تأثُّر النَّبيِّ ﷺ عند استماعه للقرآن كثيرة، بَيْد أنَّ ذلك لا غرابةَ فيه، إذ كيف لا يتأثَّر الرَّسول ﷺ بالقرآن وهو أتقى الخلق، وعليه أُنزل القرآن؟ وقد رأى الملائكة، وعُرج به إلى السَّماء، وسمع صرير الأقلام، ورأى من آيات ربِّه ما رأى؟ فتأثُّره بالقرآن أمر لا يحتاج إلى دليل أو برهان، فينبغي على المسلمين التأسي بالنبي الكريم ﷺ في سماع القرآن والإنصات له سواء كان ذلك في الصلاة أو خارجها؛ لأن استماع القرآن سنة مأثورة عن النبي ﷺ يُؤجر عليها صاحبها[8].
المصدر: شبكة الألوكة.
- رواه البخاري (3/ 1627) (ح 5055).
- قوله: (لو رَأَيْتَنِي وأَنَا أَسْتَمِعُ) الواو فيه للحال. وجواب لو محذوف، أي: لأعْجَبَكَ ذلك.
- المراد بالمزمار هنا: الصَّوت الحَسَن. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، (6/ 80).
- رواه مسلم، (1/ 546) (ح 793).
- رواه ابن ماجه (1/ 425) (ح 1338)؛ وصحَّحه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (1/ 223) (ح 1100).
- رواه البخاري، (2/ 713)، (ح 3667).
- فتح الباري شرح صحيح البخاري، (9/ 55).
- من خطبة بعنوان: تأثير استماع القرآن في المؤمنين، لـــ(د. محمود بن أحمد الدوسري).