مَن أحبَّ اللهَ أحبَّ كلامه، ومَن أحبَّ كلامه أَنْشَأَ بينه وبين كتاب الله صُحْبَةً مُستمرةً، لا أقول: إلى الممات، بل إلى ما بعد الممات؛ في الحشر يبقى القرآن مُصاحبًا لصاحبه.
مَن صحب القرآن في حياته ظفر به في حياته، ويرقى به في جنات النعيم، فيقرأ ويَرْقَى ويُرتِّل كما كان يُرتِّل في الدنيا، فمنزلته عند آخر آيةٍ يقرؤها، وفي قبره يظل القرآن أنيسه وصاحبه وشفيعه.
فبركات القرآن مُتتاليةٌ، وفي كل شيءٍ: فبركة الأجر والثواب، وبركة العمر والوقت، وبركة الزوجة والأولاد، وبركة الرزق والمعاش، وبركة الصحة والعافية، وكل ما شئتَ من وجوه البركة، فالله أراد أن يكون كتابه مُباركًا؛ قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، وقال تعالى: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ [الأنبياء:50].
هذا الكتاب المُبارك عِزٌّ لمَن أعزَّه الله، فالله يرفع بالقرآن أقوامًا، ويضع به آخرين، قال تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]، قال الإمام السعدي رحمه الله: “أي: شرفكم وفَخْركم وارتفاعكم، إن تذكرتم به ما فيه من الأخبار الصادقة فاعتقدتُموها، وامتثلتُم ما فيه من الأوامر، واجتنبتم ما فيه من النَّواهي؛ ارتفع قدرُكم، وعَظُمَ أمرُكم”[1].
وانظر إلى أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم وجماعته المُستمسكين بكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وما حصل لهم من الرِّفْعَة والعلوِّ الباهر، والنَّصيب العظيم والشرف، كما هو معلومٌ لكل أحدٍ.
يا قارئ كلام الله، هنيئًا لك بركة الزمان والمكان والمال والولد، وهنيئًا لك مُضاعفة الحسنات، وتَنَزُّل السكينة والرحمات، وهنيئًا لك انشراح صدرك، وراحة ضميرك، وهنيئًا لك أن أحبَّك ربُّك، ويسَّر لك الاهتمام بالقرآن، وهنيئًا لك الوقوف عند آيات الكتاب الحكيم، العزيز، المُبين، المُبارك، وهنيئًا لك النور بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك، وعن شمالك، مَن مثلك حَظِيَ بقراءة رسائل ربِّه ومواعظه ووعده ووعيده؟
يا قارئ كلام الله، هنيئًا لك صُحبة القرآن في الدنيا؛ فَنَوَّرتَ قلبك بهداياته، ونَوَّرتَ عقلك بِحُجَجِه وبراهينه، ورغَّبتَ نفسك بعطاء الله؛ فخشعت الجوارح، وذرفت العيون الدموع، وباعدتْ نفسك عن غضب الله وسخطه.
المصدر: طريق الإسلام.
- تفسير السعدي (ص519).