الدال على الخير كفاعله
من بديع روح الشريعة، وحسن جوهرها؛ أن جعلت من يدل على عمل من أعمال البر بمثابة الفاعل له، حيث ثبت من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -ﷺ- فقال: إني أبدع بي -أي كلَّت راحلتي وتعبت- فاحملني، فقال: ما عندي فقال رجل: يا رسول الله أنا أدله على من يحمله، فقال رسول الله -ﷺ-: من دل على خير فله مثل أجر فاعله [رواه مسلم:1677] قال النووي -رحمه الله- في شرحه على هذا الحديث: "فيه فضيلة الدلالة على الخير، والتنبيه عليه، والمساعدة لفاعله، وفيه فضيلة تعليم العلم، ووظائف العبادات؛ لا سيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم، والمراد بـمثل أجر فاعله أن له ثوابًا بذلك الفعل، كما أن لفاعله ثوابًا، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء" [شرح النووي على مسلم:13/39].
وقد أمرنا الله -تبارك وتعالى- بالتعاون على البر والتقوى، فقال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] والإرشاد إلى الخير وفعل المعروف هو من التعاون على البر والتقوى، كما أن الدلالة على الشر أو الإعانة عليه جالبة للوزر فقد جاء في حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -ﷺ-: من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء [رواه مسلم:1017] وهذا الشهر الكريم تكون فيه نفوس الناس مقبلة على الخير, عاملة له؛ فنذكر إخواننا من الدعاة إلى الله أن يستغلوا هذه الفرصة في توجيههم وإرشادهم للمسارعة إلى فعل الخيرات؛ مستشعرين ومشعرين بقوله تعالى : وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] ومن أهم الأعمال التي ينبغي للدعاة إلى الله أن يقوموا بها تفقد أحوال المحتاجين ومواساتهم، وحث الناس وترغيبهم على الإحسان إليهم، وكذا تفطير الصائمين فقد قال رسول الله -ﷺ-: من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا [رواه الترمذي:807، وصححه الألباني في صحيح الجامع:6415].
وبالعموم فإن أفعال الخير كثيرة جدًا، وعلى كل إنسان أن يعمل جاهدًا في طاعة الرحمن، مسارعًا فيها، متخيرًا منها ما يستطيعه؛ فإنما هذه الحياة ساعة قريب تمامها: وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197].
نسأل الله -تبارك وتعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى؛ أن يختم لنا بالحسنى، وأن يعيننا على طاعته ورضاه، وأن يبلَّغنا رمضان، وأن يتقبل منا, ويعفو عنا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الناشر: أسرة تحرير “رمضانيات”
المصدر: موقع رمضانيات