هيا بنـا نؤمن ساعة

التوبة في رمضان

د. عائض القرني

يا باغي الخير أقبل، فالباب غير مقفل، يا من أذنب، وعصى، وأخطأ، وعتى، تعال فلعل، وعسى، يا من بقلبه من الذنوب جروح، تعال فالباب مفتوح، والكرم يغدو، ويروح، يا من ركب مطايا الخطايا، تعال إلى ميدان العطايا، يا من اقترفوا، فاعترفوا، لن تنسوا قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا [الزمر: 53] يا من بذنب باء، وقد أساء، تذكر: “يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء”.

أسقت بغي كلبًا، فأرضت ربّا، ومحت ذنبًا، قتل رجل مائة رجل، ثم تاب إلى الله -عز وجل- فدخل الجنة على عجل.

من الذي ما أساء قط، ومن له الحسنى فقط، ومن هو الذي ما سقط، وأين هو الذي ما غلط، يا كثير الأخطاء: أنسيت: كلكم خطّاء.

إذا أذنبت فتب، وتندّم، فقد سبقك بالذنب أبوك آدم، ومن يشابه أباه فما ظلم، فلا تقلد أباك في الذنب، وتترك المتاب، فإن أباك لما أذنب أناب، بنص الكتاب.

أصبحت وجوه التائبين مسفرة، لما سمعوا نداء: “لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة” اطرح نفسك على عتبة الباب، ومد يدك، وقل: يا وهّاب. أرغم أنفك بالطين، وناد: رحمتك أرجو يا رب العالمين.

يا من أساء، وظلم، اعلم أن دمعة ندم، تزيل أثر زلة القدم. أنت تتعامل مع من عرض التوبة على الكفار، وفتح طريق الرجعة أمام الفجّار، وأمهل بكرمه الأشرار. أنزل بالعفو كتبه، وسبقت رحمته غضبه.

اسمه التوّاب، ولو لم تذنب لما عرف هذا الوصف في الكتاب؛ لأن الوصف لابد له من فعل حتى يوصف بالصواب. ما تدري بالذنب، محى العجب، وبالاستغفار حصل الانكسار، لكأس الاستكبار، وصار الانحدار، لجدار الإصرار.

لا تصر، بل اعترف، وأقر، فإن طعم الدواء مُر، وسوف تجد ما يسر، ولا يضر، واحذر الشيطان فإنه يغر.

الاعتراف بالاقتراف، طبيعة الأشراف، قف بالباب، وقل: أذنبنا، وطف بتلك الديار، وقل: تبنا، وارفع يديك، وقل: أنبنا أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 74] سبحان من يغفر الذنب لمن أخطأ، ويقبل التوبة ممن أبطأ.

التوبة تَجُبُّ ما قبلها، وتعم بركتها أهلها. يقول -عليه الصلاة والسلام-: التائب من الذنب كمن لا ذنب له وهذا قول يجب أن نقبله، فهنيئًا لمن تاب، وأناب، قبل أن يغلق الباب. التائب سريع الرجعة، غزير الدمعة، منكسر الفؤاد، لرب العباد، دائم الإنصات، كثير الاخبات.

للتائب فرحتان، ودمعتان، وبسمتان، فرحة يوم ترك الذنب، والأخرى إذا لقي الرب، ودمعة إذا ذكر ما مضى، والثانية إذا تأمل كيف ذهب عمره، وانقضى، وبسمة يوم ذكر فضل الله عليه بالتوبة، وهي أجلّ نعمة، والأخرى يوم صرف عنه الذنب، وهو أفظع نقمة.

بشرى لمن عفّر جبينه، وأشعل في قلبه أنينه، وأضرم بالشوق حنينه، التائب تبدل سيئاته حسنات؛ لأن ما فات مات، والصالحات تمحو الخطيئات.

المصدر: كتاب مقامات القرني (بتصرف يسير).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى