هيا بنـا نؤمن ساعة

إن تنصروا الله ينصركم

محمد بن عبدالرحمن العريفي

يسأل سائل فيقول: كيف يكون المستقبل للإسلام؛ والأعداء قد اجتمعوا عليه وتكالبوا من كل جهة، وقد سلطوا عذابهم ونيرانهم على المسلمين عامة، وعلى الدعاة إليه والمتمسكين به خاصة؟ كيف والأعداء يملكون القنابل النووية، والأسلحة الفتاكة، والمسلمون عُزَّل من السلاح؟

إن هذا السائل لينسى: أن الذي ينصر المسلمين هو الله -جل شأنه- لا جهدهم ولا قوتهم: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ [التوبة:14]؛ فالمسلمون سبب لتحقيق قدر الله وإرادته: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى [الأنفال:17].

وينسى هذا السائل: أن الله يُسبِّح له مَن في السماوات ومَن في الأرض، ومما يُسبِّح له قنابلُ هؤلاء وأسلحتُهم وسجونُهم ومعتقلاتُهم.

وينسى هذا السائل: أن الله إذا أراد أمرًا فإنما يقول له: “كُن؛ فيكون”، وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:50].

وينسى هذا السائل: أن الأعداء وصلوا إلى هذا المستوى الهائل من القوة والتمكين بجهدهم البشري، وهو ليس حكرًا على أحد، فالمسلمون قادرون على أن يسيروا في طريق التقدم العلمي والمادي مع المحافظة على الأصول الإسلامية، بل يمكن أن يبدؤوا من حيث انتهى غيرهم، بل لو وقفتَ فاحصًا عن العقول التي شاركت في صنع هذه القنابل والأسلحة المتطورة؛ لوجدتَّها لا تخلو من عقول إسلامية.

وينسى هذا السائل: أن الإسلام الذي انتصر أول ما ظهر على الرغم من كيد قريش واليهود ومشركي العرب، بل بالرغم من كيد فارس والروم والصليبيين والتتار؛ هو الذي تواجهه الآن القوى المختلفة المتنازعة فيما بينها من النصارى واليهود كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21]، وصدق الله إذ يقول: وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ، وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ، وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هود:121-123].

ولكن هناك أمور لا بُدَّ أن نراعيها لنستجلب النصر:

أولها: أن نصلح حالنا مع ربنا -جل جلاله-؛ وأهم ذلك أن نخلص التوحيد له وحده سبحانه، ونتخلص من جميع صور الشرك، كدعاء غير الله، أو الاستعانة بغير الله، أو تعظيم القبور، وبناء المساجد عليها، أو الحلف بغير الله، أو غير ذلك من صور الشرك.

ثانيًا: أن نقوي علاقتنا بالله -عز وجل-؛ وأول ذلك أن نحرص على إقامة الصلوات الخمس، مع ما استطعنا من النوافل، مع الإكثار من تلاوة القرآن والذكر.

ثالثًا: أن نحاسب أنفسنا؛ لماذا وقعت علينا هذه العقوبات؟ كيف ينصرنا الله ونحن نعصيه بأسماعنا وأبصارنا؟ ثم هل ربَّينا أولادنا على الإسلام؟ هل علمناهم الصلاة؟ هل حفّظناهم القرآن؟ هل حجّبنا نساءنا؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

رابعًا: أن يبذل كل واحد منا ما يستطيع من جهود مالية وبدنية وفكرية؛ لنشر الخير ودعوة المسلمين جميعًا، مهما كلّفنا ذلك، ومهما بذلنا من جهد ووقت ومال، فإن هذا قليل في سبيل انتصار الدين وظهوره.

انظر كم يبذل الأعداء من جهود وأموال في سبيل إضلال المسلمين وتغييبهم عن واقعهم؛ من خلال مجلات ماجنة، أو قنوات هابطة، أو من خلال دعوات صريحة إلى التبرؤ من الإسلام واستبداله بالنصرانية أو العلمانية اللادينية! والله لو بذلنا نصف ما يبذلون؛ لتغيرت أحوال العالم كله، فـ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [يس:26].

خامسًا: مهما طال أمد انتظار النصر فلا ينبغي أن نيأس من حصوله؛ عن خباب -رضي الله عنه- قال: “أتيت رسول الله ﷺ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، ولقد لقينا من المشركين شدة؛ فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه، فقال: لقد كان مَن قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمنَّ الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله[1].

سادسًا: أن نزرع في نفوس الناس الثقة بهذا الدين وانتصاره، وننشر بينهم النصوص الشرعية، والدلائل الواقعية التي تؤكد ذلك.

سابعًا: ينبغي ألَّا أن نستمع إلى المخذِّلين وضعيفي الإيمـان الذين استسلموا لأعدائهم وأعطوهم قيادهم، وأَيِسُوا من رحمة الله ونصره، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12] هذا حال المنافقين، أما المؤمنون فإنهم وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22].

أسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويُعلي كلمته، آمين!

المصدر: دار القاسم

  1. رواه البخاري (3852).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى