أحكام رمضانية

إذا اختلفت البلاد في تحديد دخول شهر رمضان ويوم عرفة، فمع مَن أصوم؟

السؤال:

انتقلنا بسبب ظروفٍ معينةٍ إلى السكن في دولة الباكستان، وقد تغيرتْ عليَّ عددٌ من الأمور: من أوقات الصلاة، إلى غير ذلك.

أردتُ أن أسألكم عن: أنني راغبةٌ في صيام يوم عرفة، ولكن يختلف التاريخ الهجري في باكستان عن المملكة؛ بحيث قد يكون التاريخ في باكستان 8، والذي يُوافق 9 في المملكة، فهل أصوم يوم 8 -أي: تاريخ 9 في المملكة- أم أصوم على حسب تاريخ باكستان؟

الجواب:

الحمد لله.

سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عما إذا اختلف يوم عرفة نتيجة لاختلاف المناطق المختلفة في مطالع الهلال: فهل نصوم تبع رؤية البلد التي نحن فيها، أم نصوم تبع رؤية الحرمين؟

فأجاب فضيلته بقوله: “هذا يُبنى على اختلاف أهل العلم: هل الهلال واحدٌ في الدنيا كلها، أم هو يختلف باختلاف المطالع؟

والصواب: أنه يختلف باختلاف المطالع، فمثلًا: إذا كان الهلال قد رُئِيَ بمكة، وكان هذا اليوم هو اليوم التاسع، ورُئِيَ في بلدٍ آخر قبل مكة بيومٍ، وكان يوم عرفة عندهم اليوم العاشر، فإنه لا يجوز لهم أن يصوموا هذا اليوم؛ لأنه يوم عيدٍ.

وكذلك لو قُدِّرَ أنه تأخَّرت الرؤية عن مكة، وكان اليوم التاسع في مكة هو الثامن عندهم، فإنهم يصومون يوم التاسع عندهم المُوافق ليوم العاشر في مكة.

هذا هو القول الراجح؛ لأن النبي ﷺ يقول: إذا رأيتُموه فصوموا، وإذا رأيتُموه فأفطروا[1]، وهؤلاء الذين لم يُرَ في جهتهم لم يكونوا يرونه.

وكما أن الناس بالإجماع يعتبرون طلوع الفجر وغروب الشمس في كل منطقةٍ بحسبها، فكذلك التوقيت الشهري يكون كالتوقيت اليومي”[2].

وسُئل رحمه الله من بعض مُوظفي سفارة بلاد الحرمين في إحدى الدول: “نحن هنا نُعاني بخصوص صيام شهر رمضان المبارك وصيام يوم عرفة، وقد انقسم الإخوة هناك إلى ثلاثة أقسامٍ:

  1. قسمٌ يقول: نصوم مع المملكة، ونُفطر مع المملكة.
  2. قسمٌ يقول: نصوم مع الدولة التي نحن فيها، ونُفطر معهم.
  3. قسمٌ يقول: نصوم مع الدولة التي نحن فيها رمضان، أما يوم عرفة فمع المملكة.

وعليه؛ آمل من فضيلتكم الإجابة الشَّافية والمُفصلة لصيام شهر رمضان المبارك ويوم عرفة، مع الإشارة إلى أن دولة ….. وطوال السنوات الخمس الماضية لم يحدث أن وافقت المملكة في الصيام: لا في شهر رمضان ولا في يوم عرفة؛ حيث إنه يبدأ صيام شهر رمضان بعد إعلانه في المملكة بيومٍ أو يومين، وأحيانًا ثلاثة أيامٍ.

فأجاب: “اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا رُئِيَ الهلال في مكانٍ من بلاد المسلمين دون غيره: هل يلزم جميع المسلمين العمل به، أم لا يلزم إلا مَن رأوه ومَن وافقهم في المطالع، أو مَن رأوه ومَن كان معهم تحت ولايةٍ واحدةٍ؟ على أقوالٍ متعددةٍ، وفيه خلافٌ آخر.

والراجح: أنه يُرجع إلى أهل المعرفة؛ فإن اتَّفقتْ مطالع الهلال في البلدين؛ صارا كالبلد الواحد فإذا رُئِيَ في أحدهما ثبت حكمه في الآخر. أما إذا اختلفت المطالع فلكل بلدٍ حكم نفسه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو ظاهر الكتاب والسنة ومُقتضى القياس.

أما الكتاب: فقد قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]، فمفهوم الآية: أن مَن لم يشهده لم يلزمه الصوم.

وأما السنة: فقد قال النبي ﷺ: إذا رأيتُموه فصوموا، وإذا رأيتُموه فأفطروا[3]، مفهوم الحديث: إذا لم نَرَهُ لم يلزم الصوم ولا الفطر.

وأما القياس: فلأن الإمساك والإفطار يُعتبران في كل بلدٍ وحده وما وافقه في المطالع والمغارب، وهذا محل إجماعٍ؛ فترى أهل شرق آسيا يُمْسِكون قبل أهل غربها ويُفطرون قبلهم؛ لأن الفجر يطلع على أولئك قبل هؤلاء، وكذلك الشمس تغرب على أولئك قبل هؤلاء.

وإذا كان قد ثبت هذا في الإمساك والإفطار اليومي، فليكن كذلك في الصوم والإفطار الشهري، ولا فرق.

ولكن، إذا كان البَلَدان تحت حكمٍ واحدٍ، وأَمَرَ حاكمُ البلاد بالصوم أو الفطر، وجب امتثال أمره؛ لأن المسألة خلافيةٌ، وحكم الحاكم يرفع الخلاف.

وبناءً على هذا؛ صوموا وأفطروا كما يصوم ويُفطر أهل البلد الذي أنتم فيه، سواء وافق بلدكم الأصلي أو خالفه، وكذلك يوم عرفة اتَّبعوا البلد الذي أنتم فيه”[4].

المصدر: الإسلام سؤالٌ وجوابٌ.

  1. رواه البخاري (1900)، ومسلم (1080).
  2. “مجموع الفتاوى” (20/ 47- 48).
  3. رواه البخاري (1900)، ومسلم (1080).
  4. “مجموع الفتاوى” (19/ 39- 41).

مواد ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى