لطالما حدثنا أنفسنا باهتبال فرصة رمضان، ولكم منيناها بصلاحها فيه، ولطالما عاهدنا أنفسنا قبل دخوله بأوبةٍ حقةٍ، وتوبةٍ صادقةٍ، ودمعةٍ حارةٍ، ونفسٍ متشوقةٍ، ولكن كلما أتى قضى الشيطان على الأمنية، وخاست النفسُ الأمارةُ بالسوء بعهدها، وغدرت، فثابت ليالٍ، ورجعت أيامًا، ثم عادت لسالف عهدها كأن لم تغن بنور رمضان، وضيائه.
وها نحن -أيها الأحبة في الله- يطالعنا شهرٌ، وموسمٌ من الخير جديد، فأيُ رمضانٍ يكونُ رمضانُك هذه المرة؟! هل هو رمضانُ المسوفين الكسلانين؟! أم رمضان المسارعين المجدين؟!
هل هو رمضان التوبة، أم رمضان الشِّقِوة، هل هو شهرُ النعمةِ، أم شهرُ النقمة؟!
هل هو شهر الصيام، والقيام؟! أم شهر الموائد، والأفلام، والهيام؟!!
هذا ما يعتلج بالفؤاد، ويدور بالخلد؟!
ها هو هلال رمضان قد حل، ووجه سعده قد طل.. رمضان هل هلاله، وخيمت ظلاله، وهيمن جلاله، وسطع جماله، لقد أظلنا موسم كريم الفضائل، عظيم الهبات، والنوائل، جليل الفوائد، والمكارم.
أيام، وليالي رمضان
نفحاتُ الخير، ونسائم الرحمة، والرضوان، فما ألذها من أيام معطرةٍ بالذكر، والطاعة، وما أجملها من ليالٍ منورةٍ بابتهالات الراغبين، وحنين التائبين.
رمضان: المنحةُ الربانية، والهبةُ الإلهية، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: 185].
شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ | من ألف شهر فُضّلت تفضيلًا |
طوبى لعبدٍ صحَ فيه صيامه | ودعا المهيمنَ بكرةً، وأصيلًا |
وبليلهٍ قد قامَ يختم وردَه | متبتلًا لإلهه تبتيلًا |
رمضان: أشرُف الشهور، وأيامُه أحلى الأيام، يعاتبُ الصالحونَ رمضانَ على قلة الزيارة، وطول الغياب، فيأتي بعد شوقٍ، ويَفِدُ بعد فراق، فيجيبه لسان الحال قائلًا:
أهلًا وسهلًا بالصيام | يا حبيبا زارنا في كل عامْ |
قد لقيناك بحبٍ مفعم | كُل حب في سوى المولى حرامْ |
فاقبل اللهم ربي صومنا | ثم زدنا من عطاياك الجسامْ |
لا تعاقبنا فقد عاقبنا | قلق أسهرنا جنح الظلام |
أخي الحبيب.. إن رمضانَ فرصةٌ من فرصِ الآخرةِ التي تحمل في طياتها غفرانَ الذنوب، وغسلَ الحوب..!! وكم تمر بنا الفرص، ونحن لا نشعر.. هذه فرصة، وما أعظمها، تحملُ سعادةَ الإنسان الأبدية، فأين المبادرون، وأين المسارعون؟؟
إن الصيام هو المدرسة التي يتعلمُ منها المسلمون، ويتهذب فيها العابدون، ويتحنث فيها المتنسكون..
جاء شهرُ الصيام بالبركات | فأكرم به من زائرٍ هو آت |
المصدر: شبكة الألوكة.