أنين المستغفرين
في وقتٍ يحرص كل لبيب على استغلاله، ويهفو كل عاقل إلى الاستفادة منه؛ ترى الغفلة قد خيمت على البعض -أو قل على الكثير- ممن تعودوا تضييع الفرص، مع علمهم بأن العمر أنفاس معدودة؛ وما ذهب منها لا يعود، وهذه نسائم رمضان قد أطلَّت بكل ما فيها من خير، وكل ما تحمله من معاني الرحمة والمغفرة والعتق من النار؛ أطلت تنبذ القنوط من رحمة الله تعالى، وتدفع إلى الطمع بعفو الله -عز وجل-، وتنادي بأعلى صوتها كل المذنبين، وتهتف بكل المستغفرين: أن تعالوا، أقبلوا إلى رب رحيم تواب، يا أصحاب الأنين من المستغفرين؛ ها هو شهر رمضان قد أقبل؛ فأسمعوا الله أنينكم، وأروه دمعاتكم، وأقبلوا عليه بكليات قلوبكم.
أنين المستغفرين يخرجه أصحابه من أعماق أفئدتهم، يضطرهم إليه ألم الذنوب، ووجع المعاصي، ولهيب الخطيئة.
إنه نداء الاستغفار، وهو طلب المغفرة من العزيز الغفار، وطلب الإقالة من العثرات من غافر الذنب، وقابل التوب، إن مما يأنس به المستغفرون أن يعلموا أنه بالاستغفار تطلب الأرزاق، ويُستكثر من الأموال والأولاد، وينزل الغيث وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، يقول الله -سبحانه وتعالى- على لسان نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12] وقد كان الذي غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر -ﷺ- يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة [رواه البخاري:6307] يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: "إخواني: لو تَفكَّرت النُّفُوسُ فِيمَا بَينَ يَدَيهَا، وَتَذَكَّرَت حِسَابهَا فيما لها وعليها؛ لبعث حزنها بريد دمها إليها؛ أما يحق البُكاء لمن طالَ عِصيانهُ: نهاره في المعاصي، وقد طال خُسرانه، وليله في الخطايا؛ فقد خفَّ ميزانه، وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانه.
بكيتُ على الذنوب لِعِظَم جُرمِي | وَحَقَّ لِمَن عَصَى مُرُّ البُكَاءِ |
فَلَو أَنَّ البُكَاءَ يَرُدُّ هَمِّي | لأَسعَدت الدُّمُوع مَعَ الدِّمَاءِ |
الناشر: أسرة تحرير “رمضانيات”
المصدر: موقع رمضانيات